شعار قسم مدونات

الحقوق لا تعود بالبكاء!

blogs مجتمع

اشتعال تام لواقع متأزم وتعلوه الأزمات من أخمص قدميه وحتى هامته، أنى أشحت بنظرك وجدت الألم والأسى، والظلم والكبت، والاستبداد والضنك، وما بين هذا القتام السائد، ينطلق من رحم المعاناة سؤال ليس بريئاً بالمطلق: هل يكفي أن نعلق مآسينا على شماعة الآخرين؟ وهل ستعود أي من حقوقنا المستباحة بالنواح والعويل؟ أم أن الشتم والسباب والقدح في الآخر يعطينا الحق في التقصير بمعرفة واجباتنا الفردية تجاه ما نحتاج بالضرورة لمعرفته والتعرف إلى مسالكه ودروبه بلا تردد ولا تأخير؟

 

من منا لم يسمع بميثاق جنيف الذي نسمعه كمصطلح على مدار اليوم في وسائل الإعلام حتى صدّعت به رؤوسنا؟ ومن منا يعلم ما هي بنود ميثاق جنيف؟ وهل هو ميثاق واحد أم أكثر؟ وماذا جاء في كل ميثاق منها؟ وماذا يعني التوقيع عليه وما معنى عدم التوقيع؟ وما هي أوجه الاستفادة الشخصية لي من معرفة هذه الأمور؟ وعلى اليد الأخرى، من منا لا يضيق صدره كلما سمع بحقوق الإنسان ومواثيق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟ لاسيما ونحن نشاهد بأم عيوننا الاستباحة الشاملة لكل حق مسطور من هذه الحقوق في كل ميثاق دولي معتمد؟ من منا يعلم ما هو حقه الفعلي المقر عالمياً بحيث يستطيع أن يواجه به كل معاند ومنتهك له؟ هل نعرف كيف نتواصل مع هيومن رايتس ووتش (Human Rights Watch) مثلاً إذا تعرضنا لانتهاك لحقوقنا؟ وهل لدينا خطوط اتصال مع مؤسسات الدفاع عن الحقوق الفردية؟

 

رغبت بطرح هذه الأمور والتساؤلات لاستفزاز عقولكم الكريمة، فالمستجدات التي تعصف بالمنطقة لا تحتمل العموميات، ونحن – كشعوب عربية – بكل أسف من عشاق العموميات، حتى إذا خضنا نقاشاً معرفياً مع معارض لنا لم نستطع الثبات أمامه خمس دقائق، أي بعد أن تنفذ الجملة العمومية التي نحفظها، هذا إذا لم نلجأ لضربه لكونه خالفنا! في هذا العالم الذي أصبحت فيه المعلومة عابرة للقارات والحدود، علينا أن نراجع ما نعرفه، وأن نبدأ ببناء المفاهيم والمعارف لدينا من الصفر، لأن حالة الوعي تحت الاستعمار التي تملّكتنا عشرات السنوات صنعت منّا جيلاً يخاف من الاقتراب من الحقائق والمعلومات لكونها تستوجب دفع الضريبة الباهظة.

 

جهل الشعب الذي يعيش تحت الاحتلال مثلاً بالحقوق الدولية للشعوب المحتلة ومواثيق جنيف الموقعة من أغلب الدول في العالم يعني ضياع حقوقه، واستباحة الحرية فيه، وانتشار البطش والكبت السياسي

علينا أن نبدأ بالفهم الواضح لما لنا ولما علينا، فالمواطنة تبدأ من هنا، من معرفتك لنفسك ولحقوقك ولواجباتك، ولما أنت عليه وما يمكن لك أن تكون عليه في مستقبلك. بلغة بسيطة، وبمثال بسيط يقرب الصورة إلى الذهن، لو تم اعتقالك في بلدك أو في أي بلد آخر، فمن حقك أن تلتزم الصمت، ومن حقك القانوني المكفول دولياً أن تجيب عن السؤال الذي تريد إجابته وترفض الإجابة عن السؤال الذي لا تريد الإجابة عليه. قد يبدو الأمر ساذجاً وبسيطاً في نظر البعض، ولكن معرفتك بهذا الحق كمثال يعني قوة حضورك ومواجهتك وثقتك بنفسك في ساعة الصفر، وعليه يمكننا قياس حق السفر للأفراد، واختيار مكان السكن، والحق في التعليم، وتكافؤ الفرص، وغيرها.

 

قانون العمل والعمال مثلاً يمثل قانوناً متفقاً عليه عالمياً، فلو طلب منك رب العمل أن تستمر بدوامك كموظف أكثر من ثماني ساعات بلا مقابل مادي، فهذا انتهاك لحقك كعامل، ويمكنك مقاضاته عليه، وكذلك الحال لو قام بفصلك تعسفياً، أو طالبك بغير وصفك الوظيفي بدافع السلطة التي يملكها. التحدي الأبرز بعد المعرفة، هو كيفية امتلاك هذا الحق والتمتع به، فبما أنه حقك، حقك الشخصي والذاتي، عليك أن تعرف كيف يتم الدفاع عنه، وأين ومتى؟ ومن هي الجهات التي يمكنها أن تكون راعية لحملة الدفاع عن حقك ومعينة لك في تحصيله؟

 

وجهل الشعب الذي يعيش تحت الاحتلال مثلاً بالحقوق الدولية للشعوب المحتلة ومواثيق جنيف الموقعة من أغلب الدول في العالم يعني ضياع حقوقه، واستباحة الحرية فيه، وانتشار البطش والكبت السياسي ومصادرة مصادر القوة الاقتصادية وانتشار الجريمة المنظمة، وإرهاب الدولة ضده. لذلك، وجب على مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الشبابية العصرية أن تباشر فوراً ببدء مشروع التوعية الشامل باستخدام وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وكل وسائل الدعاية والإعلام والإعلان لنقل هذه الحقوق من الملفات والمكتبات والمؤلفات والمقالات إلى عقل المواطن الفرد، ليقوم كل فرد بالدفاع عن حقه في حال صمت المجتمع أو العالم عن حقه، فحقك لك، وتخليك عنه يعني أن جهلك أو ضعفك سيكلفك أن تحيا حياة الضنك والعجز، لأنك خشيت من مواجهة من يصادر حقك، أو من يريد أن يسرقه منك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.