شعار قسم مدونات

نحن الأغبياء وليس الأطفال!

blogs طفلة تحمل دمية

درست دبلوم التربية في الجامعة وخلال دراستي لمناهج التربية المختلفة اكتشفت وجود النظريات المتناقضة حول التربية نشأة الأطفال وقدراتهم فهناك المدرسة التي تؤمن أن الأطفال يولدون صفحة بيضاء علينا تلوينها والرسم فيها بما يفيدهم ويحدد حياتهم وشخصياتهم بينما يؤمن آخرون أن الأطفال يولدون بقدرات وذكاء لا محدود ولكن بفعل التربية تتغير هذه الصفات وتضمحل وتنحصر. فالقدرات العقلية كالقدرات الجسدية بحاجة إلى الممارسة والتمرين للوصول إلى اقصى إمكانياتها.

 

إن الأطفال العباقرة ومن يصفون اليوم بأطفال التوحد ظهرت صفات الذكاء عندهم أكثر من غيرهم وافتقروا إلى التواصل الاجتماعي والذي لو كان حاضراً قد يكون السبب في تغييب العبقرية والذكاء عندهم وذلك لأن الطفل يصبح أكثر تفاعلاً مع مجتمعه وأهله الذين يحاولون بكل ما استطاعوا أن يكيفوا أطفالهم ليتناسبوا مع العالم الصغير والمجتمع بتقاليده وأعرافه.

 

أصبحنا نتدخل في قرارات أبنائنا وحياتهم حتى اننا قد ندخل في مشاجرة مع طفل آخر قام بضرب طفلنا بدلاً من تعليم أبنائنا كيفية التعامل مع الأزمات نقوم بالإسراع إلى اتخاذ القرارات عنهم

يولد الطفل دون أدنى معرفة بالخوف والقلق ولا المظاهر الاجتماعية وهو ما يجعلهم أكثر تقبلاً للآخر واكثر انفتاحاً على التجارب حتى أنهم قد يلقون بأنفسهم في النار أو أن يمد يديه ليلقي التحية على أفعى أو كلب ضال ومن خوفنا عليه وإدراكنا بضعفه نعمل جاهدين على أن نريه الخوف وأن نضع له الحدود الحمراء وذلك محاولة منا أن نبعده عن الخطر ومساوئ هذا العالم لكن الحد الفاصل بين تعليم الأبناء الحذر وبين إنشاء جيل جبان وغبي شعرة رفيعة جداً تكاد لا ترى حتى انها اضمحلت أمام الكثير من الآباء.

 

في السابق كنا نلعب خارجاً ولم نكن نتعرض لهذا الكم من التحذيرات التي نلقيها على أبنائنا ونشأنا جيلاً قوياَ اجتاز العديد من الصدمات والوقعات والنزيف من الجروح المتعددة، لم يمنعنا أهالينا من القفز عالياً من على سور أو الاختباء في بئر مهجور أو أن نبني بيوتاً من التراب والحصى، ولم تكن الأمهات تتبعنا بسائل ديتول لحمايتنا من الجراثيم حتى نمت لدينا مناعة حصينة جعلتنا نأكل كل شيء ونتحمل درجات الحرارة المنخفضة ونحن نلعب بالثلج، لم تكن الأمهات تسرع إلى غرفة الطوارئ كلما ابتلع طفلها قطعة معدنية أو القليل من التراب إذا نزف قليلاً، أذكر طفولة دموية كنا فيها نجول الحارات جميعها ونعود سالمين وأعلم أن الزمان قد تغير ولكن لا بد من خلق هذه المساحة لأطفالنا.

 

أصبحت الأجهزة التي يحملها أبنائنا اليوم أكثر ذكاءً منهم وأصبح الأطفال بغاية الضعف حتى أنهم بحاجة لتمرينات وتدريبات في مراكز متخصصة لتعليمهم كيفية إمساك القلم أو اللعب بالكرة وهو ما اعتقد أننا نولد ولدينا الفطرة اللازمة لأداء كل هذا، ولم أكن أعلم أن مسكة القلم والكتابة قد تصبح عالة على الأهالي ومسألة جدية، أصبحنا اليوم نغدق أبنائنا وبناتنا بالهدايا والألعاب التي لا يمضون معها الوقت وإنما يقومون بإلقائها جانباً دون أدنى تقدير ولم يعد يكفيهم ما نقدم لهم وإن كنا نرهق أنفسنا في العمل لإعطائهم فرص أفضل مما حصلنا عليها ولكن على ما يبدو أن فرصنا وإن كانت قليلة وألعابنا إن كانت معدومة أو معدودة كانت أفضل من وضع أطفالنا اليوم والحال الذي وصلت إليه التربية.

 

أصبحنا نتدخل في قرارات أبنائنا وحياتهم حتى أننا قد ندخل في مشاجرة مع طفل آخر قام بضرب طفلنا بدلاً من تعليم أبنائنا كيفية التعامل مع الأزمات نقوم بالإسراع إلى اتخاذ القرارات عنهم، نفكر بمشاكل صغارنا كأنهم في أعمارنا ونفكر بحلول تتناسب مع مزاجنا ورؤيتنا للحياة.

 

أرى أن على الأهالي إعطاء أبنائهم متنفساً كي يكونوا وينضجوا بالطريقة السليمة وأن يمنحوهم الحرية اللازمة للعلب والتحرك والتعرض للكدمات والجروح الصغيرة والنزيف وأن يتعرضوا لصدمات الأصدقاء وعدم الحصول على ما نريد والخيبات فكل هذه تنشأ إنسان، فنحن لسنا هنا لنعيش حياة كاملة ولسنا بمنأى عن الشر، فلنزرع بقلوب أبنائنا الخير والحب والطيبة ولنطلقهم إلى العالم حتى وإن حصدوا الكره والحقد.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان