شعار قسم مدونات

حجاب المرأة.. عادة اجتماعية أم عبادة دينية؟

BLOGS حجاب

قبل أن نخوض أغمار هذا الإشكال لا بأس أن نعرج على قضية اللباس عموما لما بين الموضوعين من ترابط وطيد وتداخل متين، فهل سبق أحدنا أن تسأل يوما لماذا نرتدي اللباس ونحن ولدنا مجردين عنه؟ ومن أرشد البشرية إليه وألزمها به على ممر التاريخ؟ ثم ما موقع حجاب المرأة من هذا كله؟

على عكس التطوريين الذين يعتقدون أن الإنسان الأول عاش عاريا استصحابا للحالة التي ولد عليها، معتمدين في ذلك على عدم وجود مخلفات من الزمان الأول لها علاقة بهذا المجال.. يرى فلاسفة الإسلام أن الأصل في الإنسان هو اللباس الذي يكفل له الحماية الحسية والمعنوية، وأن العري مرادف للتوحش لا يمكن عزوه للطبيعة التي جُبل عليها الإنسان، مستندين في ذلك لقصة “آدم وحواء” التي سطرها القرآن الكريم قائلا: "فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ" وأيضا: "يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا" فحسب المفسرين كان آدم وحواء عليهما السلام مستوري العورة قبل وقوع الخطيئة؛ لما يقتضي ذلك في الآيتين السالفتي الذكر من أسلوب الشرط والتعبير بالنزع الذي يستلزم سبق وجود المنزوع، وطبعا إذا كان هذا موجودا قبل الخطيئة من باب أولى أن يوجد بعدها وينهجه بنو آدام بعد ذلك سيرا على نهج أبويهم، وبالتالي فإن الإنسان البدائي لم يعش عاريا بل عاش مستورا حسب الفلسفة الإسلامية.

وعليه فإن اللباس من حيث وجوده أمر فطري؛ هدانا الله إليه عن طريق غرز الحاجة إليه في فطرتنا، والتي تتمثل في ضرورة صيانة جسدنا وضمان استمرارية دوره الحيوي في الحياة الاجتماعية، مثلما هدانا لحلمة ثدي أمنا عبر غريزة الجوع الهادفة لحفظ هذا الجسد أيضا، لكننا نلفي هذا اللباس بعد ما أخذ مشروعيته الفطرية في الوجود يختلف حسب البيئة وعادات المجتمع؛ فألبسة المشارقة ليست مثل ألبسة المغاربة، وهما مخالفان لألبسة أهل الغرب أو الجنوب، بل حتى أهل المصر الواحد تجدهم مختلفين في لباسهم. وفي هذا الصدد يمكننا أن نتساءل هل قضية حجاب المرأة لها ارتباط بهذا الاختلاف البيئي أيضا؟ بمعنى هل يمكن أن تكون بيئة الجزيرة العربية الحارة هي من وراء وجود هذا الحجاب الذي ربما يخفف من فرط الحرارة؛ خصوصا ونحن نرى هناك حتى الرجال قديما وحديثا يخمرون رؤوسهم؟

 

للأسف إن الذي ينفر من هذا اللباس المحتشم بعض التعقيدات التي يضيفها بعض علماء الدين في نوع هذا اللباس وشكله، بيد أن الذي لا مراءة فيه أن الإسلام لم يشترط شيئا آخر غير الستر التام

أم أن وجود الحجاب مرتبط بالدين بداية وانتهاء ولا دخل للعادة والبيئة في ذلك؛ بمعنى حتى لو فرضنا أن الإسلام قد نزل في بلاد الهند أو السند أو أي بلد آخر فسيكون الحجاب مشروعا كما هو مشروع الآن بنفس المكانة والمقام؟ وطبعا فالبون شاسع بين الأمرين؛ فلو ثبت عزو وجوده للعادة أمكن التخلي عنه والتنكر له كما يحصل لكثير من العادات، وأما إذا ثبتت نسبة وجوده للدين فلا يمكن التخلي عنه إطلاقا، وإلا أثمت تاركته، إذ الدين شرع ليعمل بتعاليمه لا ليعرض عنها!

إن مفهوم الحجاب في عالمنا الإسلامي قد دخله تحريف بشع؛ فصار يقتصر على تغطية شعر الرأس فحسب، متجاهلا باقي الجسد الموصوف أو المكشوف، كما أنه يعتبر أمرا سلبيا في ظل غياب الوعي بحكمه الهادفة، وتأثير التيارات العولمية الجارفة، فهو بمعناه الشرعي الأصيل: ثوب فضفاض لا يصف ولا يشف تستر به المرأة المسلمة جسدها سترا تاما تضمن من خلاه عدم طغيان معالم جسدها الفتية على معالم روحها الزكية، ويحقق لها توازنا وانسجاما بين الطرفين، مع حفاظه على الدور الحيوي لهذا الجسد؛ الدور الذي بدأ يذبل في خضم حملات العري الفاضحة، حيث فقد جاذبية التي كان يتمتع بها في أحضان الحجاب والستر، والواقع الغربي خير دليل في هذا المقام. وعموما فإن الحجاب من حيث وجوده أمر ديني تعبدي صرف، لا دخل للعادة فيه من هذه الحيثية، لكن لا شك أنه يرتبط بها من حيث تنوعه واختلافه، كما أنه قد يرتبط بها من جهة نية من ترتديه؛ فإذا كانت نيتها من ارتدائه نيل رضى الله وثوابه العاجل والآجل كان عبادة، وإذا كانت تفعله تقليد للأمهات والجدات كان عادة، فالمعيار الفاصل من هذه الجهة إذن هو النية والقصد.

 ثم لا أدل على ارتباط وجود الحجاب بالدين من اتفاق الأديان السماوية التي نزلت في بقاع مختلفة على هذا الأمر، رغم اختلافها ربما في بعض القضايا الأخرى، حيث ركزت قاطبة على رصد هذه الظاهرة وضرورتها؛ ففي الدين الإسلامي جاء في القرآن: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ" وكذلك أيضا: "وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ.." وفي الدين اليهودي جاء في الإصحاح الثالث من سفر إشعياء ـ التوراة الحالية ـ "على الخليعات المتبرجات بالزينة وتوعدهن بالعذاب" وفي الدين المسيحي جاء في الإنجيل المتداول قوله: "ينبغي للمرأة أن يكون لها سلطان على رأسها من أجل الملائكة" وللإشارة فإن ما تتفق عليه هذه الأديان لا شك أنه يكون ذا بال وجلل، كما هو الشأن في العدل والصدق والمحبة وسائر القيم الكبرى التي اتفقت عليها أيضا.

وإننا إذا رجعنا إلى القرن الماضي والذي قبله نجد أن نساء أوروبا كن يرتدين الحجاب بما في ذلك تغطية شعر الرأس امتدادا لثقافتهن الدينية، مع أن المناخ هناك معروف بأن غالبه معتدل، ليس فيه ما يستدعي هذا من فرط الحر أو البرد، مما يدل دلالة واضحة على أن وجود الحجاب مرتبط بالدين أساسا وليس بالعادة كما يتوهم البعض! وللأسف فإن الذي ينفر من هذا اللباس المحتشم بعض التعقيدات التي يضيفها بعض علماء الدين في نوع هذا اللباس وشكله، بيد أن الذي لا مراءة فيه أن الإسلام لم يشترط شيئا آخر غير الستر التام، فلا دخل له لا في النوع ولا في اللون ولا في الشكل.. المهم أختي أن تستري، وألا تطغى معالم جسدك على معالم روحك، فأنت جسد وروح لا جسد فقط.. فانتبهي!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.