شعار قسم مدونات

العلم.. الوسيلة الأهم لتحقيق غاياتنا وأحلامنا

blogs تعليم، محاضرة، جامعة

يدخل عليك في تمام الساعة التاسعة صباحاً فتراه وكأنه أُجبر على المجيء، كيف لا وهو ونحن لم نقتنص من الليل إلا بضع ساعات مرت كما البرق الخاطف. لا يكاد الواحد منا يُغلق عينيه إلا ويسمع صوت المنبه قد شق السكون الذي كاد أن يحط رحاله على أجفانه، فيقوم حاملاً ثقل جسده المرهق على قدمين تدافع إحداهما الأخرى أن تتقدم خطوة. ومن ثم يأتي أستاذنا في المعاد المقرر للدرس، يدخل علينا وكثيراً ما ينسى أن يُلقي السلام. كم أتشوق دوماً لسماع التحيّة، عَلّها تكون بلسماّ على أرواحنا المتعبة من طول السهر في الليلة الماضية.

ولكن لا بأس، فالعلم يكلفنا الكثير ونعطيه كُلُنا ليعطينا بَعضَهُ، فنصبر على ثقل الأجفان ووهن الجسد لعلنا ننهل من درسنا هذا ما يفيد. يجلس أستاذنا لأجل أن يسألنا عن المقرر أن يُشرح، فيجد أمامه عدداً من المستمعين الذين تُعانق عيونهم ساعات اليد وينشغلون بِعَد الثواني وينتظرون أن يُؤذَن لهم بالانصراف، وهنا تبدأ القصة.. هذا السُبات الذي يَرى فيه الأستاذ طلابه يكون بمثابة فنجان القهوة الذي يُعيد إليه يقظته، بل يرجعه إلى ذكريات الدراسة وأيام الشباب، ليبدأ السرد قائلاً: "حين كنت مثلكم، كنت أدرس طوال الليل والنهار، ولا أنْفَكُّ عن مجلسي هذا إلا لصلاةٍ أو طعام.. حتى وصلتُ إلى ما أصبو إليه..".

وحينها لا يسعني أنا إلا أن أُصفقَ من عظيم إنجازه.. حقيقةً هذه ليست مُزحة يا رفاق، حقا أنا أُحبُ المنجزين الذين يُمسكون بالأقلام والأوراق ويكتبون ما أنجزوه وما يجب أن ينجزوه ويحققوه في المستقبل القريب، فالأحلام أقرب للتحقق إن كُتِبت وعُلقت. أُحب أصحاب الهمم الذين يرون الأهداف ويجاهدون لأجل الوصول، ولو على حساب الكثير، ولكن حقيقةً لا أجد فيما أسمع ما يُحرك لدي الشغف لأجل الوصول إلى ما وصل إليه من حولي. لا أجد روحي تتوق لهذا الكرسي الذي سبقني إليه الكثيرون من أساتذتنا وكثير ممن له حقٌ علينا، أؤمن أنه لولا سعيكم الدؤوب لما كان لي أوفر الحظ من أن أنهل شيئاً مما عُلِّمتُم.

لا بأس أن نكون عوناً وأيادي تمتد لأجل رفعة أحلام بعضنا، لا لأجل العبث فيها ووضع عقبات وتكسير أدراج الوصول.

لكن العلم ما هو إلا وسيلة لتحقيق الغاية الأسمى، أقصد الغايات الكثيرة التي تداعب أحلامنا في وقتنا الحالي. بات لكل منا معركته الخاصة التي لا يعلم الآخرون عنها شيئاً، معركة البحث عن الذات وعن الدرب القويم الذي يجب أن نخطو فيه، معركة حساب العقبات وكيف الاجتياز بأقل الخسائر الممكنة، معركة إثبات الذات في الرقعة التي لا طالما حلمنا بها. هناك يا رفاق ثغور كثيرة، تنتظر نفوسنا التي تشغلها يوماً ما، ولن يقدر على ذلك غيرك، ولن تستقيم الحياة إن وقفنا معاً نسد ذات الثغر، لسنا متشابهين إلى هذا الحد، بل إن الله تعالى قد خلق فينا الاختلاف ظاهراً وباطناً، لُبًّاً ومكنوناً.

أقدس كما قلت آنفا حلمك يا صديقي ورغبتك بأن تحصد العلامات المتقدمة، لتتقدم خلَّانك في صفوف الدراسة، أو لعلك تريد وظيفة حكومية مرموقة لا تصل إليها إلا بمذاكرة الأربع والعشرين ساعة. نعم تستحق رفع القبعة، ولكني أختلف عنك كثيراً ولا أريد ما تريد، ولا أبغي الوصول إلى ما وصلت إليه أنت. أرى الحياة بمنظار مختلف تماماً عن هذا الذي تمسك به لتنظر من زاويةٍ ما لترى ما تتوق إليه روحك. قد يجافي كلانا النوم ليلاً ولكن أحدنا يمسك بكتاب دراسي لأجل الاختبار، والآخر قد فرغ ليله لأجل حقل آخر لا تعلم أنت عنه شيئاً. ما أود قوله هو أن الحياة إن صح التعبير روضٌ يانع ماتع، في كل زاوية منه تعانق عيناك لوناً مختلف، ويجذبك شذى الأزهار وعطر الأغصان الغضة الندية، وأنت فقط من تقرر أي القطاف تجني المهم أنك تحمل الشغف، ذاك الذي يجعل كل منا يصنع من أزهاره تاجاً أو طوقاً أو حتى باقة يهديها من يحب.

في عصرنا هذا لا يجوز أن تُقارَن العقول الخمسينية أو الستينية بتلك العقول العشرينية التي أتت في وقت اتسعت فيه رقعة الأماني، وتفرعت فيه الطرق المؤدية لمنصة التتويج. لا بأس أن نكون عوناً وأيادي تمتد لأجل رفعة أحلام بعضنا، لا لأجل العبث فيها ووضع عقبات وتكسير أدراج الوصول. ربما أكثر ما يؤلم هو الفجوة الزمنية السحيقة نسبياً بين الأجيال المتباعدة، فلا نجد ممن يتقدمنا إلا سخرية وانتقاص، يتسلل إلى قلبك فيؤلمك وربما ينخر في جدار كنت قد شيدته وأوشكت أن تضع فيه لَبِنة القمة، فكاد أن ينقضَّ ببضع كلمات وجدت طريقها إليك ممهداً. شباب اليوم يقودون دفة الحياة، وإن أصبحت بواطنهم واقعاً ملموساً ومستقبلاً مشرقاً، فإني أَعِدُك بخير كثير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.