شعار قسم مدونات

عندما تصبح ذكرياتنا آلام حاضرنا!

blogs تأمل

أتذكر قديماً عندما كنت أتجول في شوارع مدينتي تلك المدينة الصغيرة والتي برغم صِغرها كنت أنعمُ فيها بشيء من الحرية وكأنَّ روحي مُحلِّقةً في عنان السماء.. كنت أشعر بدفءٍ يحتضنني من وراءِ جدران المنازل الصغيرة وكأنَّ دفء قلوبِ أصحابها يسودُ ويطغى فتشعر به وأنت تَقطَعُ الطرقاتِ.. ابتساماتٌ تلاحقني أينما ذهبت وأينما حَللت وكأنَّ الابتسامة كانت كقانونٍ واجب تنفيذه.. بداخلي هدوءٍ وسلامٍ كنت استمدهما ممن حولي وكأنَّها كعدوى تصيبني.

مِنْ حولك أناسٌ مُتمسكين بأخلاقهم وعادات مجتمعهم وتقاليده السليمة.. أناسٌ تَملؤهم الطيبة يتمتعون بِحسن السريرة قلوبٍ نقيةٍ وأرواحٍ مُزهرةٍ كانت البساطة هي سيدُ الموقفِ.. تجد البساطة هي العامل المسيطر على قلوب الناسِ وأرواحِهم تتأمل مَنْ حولك لتجد البساطة أساس كل شيء من مأكل ومسكن وحتى مظاهر الناس بسيطة، تجد البساطة في التعاملات ما بين الأهلِ والأصدقاءِ والوسط المحيط بك، وتجد البساطة في الزواج وما يتعلق به من أمور أُخرى.

 

كنت تستشعر الراحة في حديثك مع الناس، وجهات النظر كانت تُناقش بكل وقار حتى وإن كانت متضاربة، احترامٌ متبادل ومشاعر الودِّ والأُلفة كانت تُكِنُّها القلوب كنت أرى تطبيق فعلى أو لنقل إلى حد ما لمقولة أنَّ الاختلاف في الرأي لا يُفسد للودِّ قضية أناسٌ مُتسامحين لا تباغض ولا شحناء قلوب تَغمُرها السعادة، وجوهٌ تحمل في ثناياها الابتسامات حتى وإن كانت على عاتقها ثِقَل الحياة بأسرها.. كنا ننظر للغد بنظرة يملأها الأمل ويزيِّنها التفاؤل كنا ننسج من خيالاتنا أحلاماً وردية كنا نعزف على أوتار قلوبنا أنغام المستقبل الذي تمنيناه كثيراً كل ذلك وأكثر كان يُعطى للحياة المزيد من البهجة حتى وإنْ كنَّا نعانى منها لذعات من الحزن.

 

فرق شاسع بين حياتنا القديمة التي كنا نتمتع فيها ببعض القيم والتي كنت تشعر فيها بروح مفعمة بالحياة وبين مدنية حديثة جردتنا مما تبقي لدينا من ثوابت

بمرور السنين أصبح كل ذلك يتلاشى رويداً رويداً إلى أن أصبح كهباءً منثورا وكأنَّ تلك الأيام كانت كالسراب الذي اندثر في أشد احتياجنا إليها وكأننا لم نشعر بقيمتها حتى تلاشت من أمام أعيننا مُسدلةً ستار القلق والخوف وعدم الشعور بالأمان، حتى بين جُدران منزلك تجد نفسك خائفاً تترقب.. بحثنا عن تقاليدٍ لمجتمعاتٍ لا نتفق معها دينياً ولا أخلاقياً ولا حتى ثقافياً وتخلينا عن عادات مجتمعاتنا التي تتناسب مع عقائدِنا وطريقة تفكيرنا انسقنا خلف التفاهات وظننا أنفسنا في ركب الحضارات إنْ كان الآباء قد تخلوا عن القيم والعادات التي تربوا عليها وإنْ هم بدَّلوا الأولويات الأساسية بأشياء ثانوية لا قيمة لها فلا تنتظر جيلاً من الأبناء لديهم قيم ولديهم آراء وقضايا يُدافعون عنها بل انتظر جيلاً فارغاً من الداخل لا يهمه ما يُمليه عليه دينه أو ضميره بل الأهم لديه أن يُقلد ما تُمليه عليه مجتمعاتٍ أخرى بعيدة كل البعد عن ثقافات مجتمعه وقيمه.

 

بدلاً من أن نعيش حياة بسيطة اخترنا التعقيد طريقاً لنا وأصبح هو الغالب على الفكر هو المسيطر على العلاقات الاجتماعية حتى أنه بسبب تلك التعقيدات التي سادت معيشتنا أصبحنا نبني بيننا وبين من حولنا الكثير من الحواجز والأسوار فتباعدت الصلات بين أفراد العائلة وزادت المشاكل بين الأزواج لتبحث عن مصدر تلك المشاكل لتتوصل في نهاية الأمر أنها من اللاشئ إلا أن أسلوب التعامل أصبح معقداً نوعاً ما.

 

وبسبب تعقيدات الأهل عند الزواج تجد القليل هو المتحمس لتلك الفكرة حتى تظن أن الزواج أصبح كالثقل.. يقول أحدهم أن البساطة هي أعمق من التعقيد لمن يتمعن النظر ويتدبر ذلك.. مواكبة الأمم مطلوبة ولكن في إطار يتوافق مع معايير مجتمعك وأخلاقه فعادات المجتمع وأخلاقه هي الحاكم الرئيسي لحياتنا جميعاً.. فرق شاسع بين حياتنا القديمة التي كنا نتمتع فيها ببعض القيم والتي كنت تشعر فيها بروح مفعمة بالحياة وبين مدنية حديثة جردتنا مما تبقي لدينا من ثوابت وجردتنا بما تبقى لدينا من معاني الحياة وأوصلتنا في نهاية المطاف إلى نقطة اللاانتماء واللاوعى!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.