شعار قسم مدونات

اليمن.. البلد العربي المعزول!

مدونات - اليمن المعزول

منذ زمن بعيد كان اليمن ولا زال يعيش عزلة خانقة تفصله عن المجتمع الدولي والتطورات العالمية المختلفة على كل الأصعدة، تشتد تلك العزلة أحياناً، وتقل أحياناً أخرى؛ وذلك مرتبط بنوع النظام الحاكم وكيفية إدارته للبلد. بالإضافة إلى علاقاته الخارجية. لكن تلك العزلة متواجدة مع تواجد الأنظمة التي توالت على حكم اليمن. سأسرد في مقالي هذا بعض فترات وصور العزلة التي عاشها اليمن في تاريخه المعاصر (والذي يبدأ مع خروج العثمانيين من اليمن وتأسيس المملكة المتوكلية اليمنية عام 1918م).

مع خروج العثمانيين من اليمن وتأسيس (المملكة المتوكلية اليمنية) بقيادة الأئمة الزيديين مقاليد الحكم دخل اليمن في نفق معزول، وكهف مظلم جعله يعيش في وضع أسوء من ذلك الوضع الذي عاشته دول أوروبا في القرون الوسطى، إلى درجة أن الصحفيين والباحثين الذي كانوا يغامرون بالوصول إلى اليمن في تلك الفترة – بصعوبة بالغة – كانوا يُسمون عاصمة اليمن (صنعاء) "متحف القرون الوسطى"؛ لما كانت عالية من مظاهر الجهل والتخلف والرجعية وانعدام لأبسط مقومات الحياة الكريمة والحديثة. استمر النظام الملكي (المملكة المتوكلية اليمنية) في حكم اليمن ما بعد خروج العثمانيين من اليمن ما يقارب الأربعة والأربعين عاما – من عام 1918 وحتى عام 1962م – كانت اليمن في عهدهم بؤرة للصراع والظلم والتخلف والرجعية، وتمثلت مظاهر العزلة التي فرضها الأئمة الحاكمين لليمن آنذاك في مختلف مجالات الحياة.

فلم يكن هناك جامعات أو مدراس حديثة على الإطلاق، ولا وجود للسفارات والبعثات الدبلوماسية، ولا مؤسسات دولة حديثة، ولا علاقات خارجية مع دول الإقليم والمجتمع الدولي، ولا حتى بُنى تحتية ومشاريع حديثة، ولا أي مظهر من مظاهر التمدن والتحضر الذي كان موجود في كثير من دول العالم آنذاك. على الرغم أن تلك الفترة كانت بالنسبة لعواصم عربية مثل (القاهرة وبيروت) منارات للعلم والفن والأدب، ومقصد للطلاب والباحثين من مختلف دول العالم، إلا أنها كانت بالنسبة لليمن فترة عزلة خانقة في مختلف مجالات الحياة، إلى درجة أنه كان يوجد قانون للخوف يمنع دخول المواطنين إلى العاصمة – التي كانت محاطة بسور كبير – فلا يستطيع الزائر أو المواطن الأصلي الخروج أو الدخول بعد المغرب حتى وقت الفجر، ومن قوانين العزلة أنه لم يكن يحق لأي أجنبي دخول اليمن إلا بعد موافقة الإمام، ضف إلى ذلك عدم وجود مطارات أو سيارات أو أي من مظاهر الحياة العصرية.

ظل اليمن – الشمالي والجنوبي – في صراعات دائمة سواء في داخل كل دولة على حده، أو بين كلتا الدولتين، الأمر الذي عرقل قيام دولتين قويتين متفتحتين على الحياة المدنية الحديثة والعالم الخارجي.

لم يكتفي الأئمة – حكام اليمن آنذاك – بذلك، بل حرصوا على تجهيل اليمنيين بكل الوسائل، فمنعوا عن اليمنيين كل ما هو حديث حتى من كانوا يرغبون بالذهاب للخارج للدراسة أو المعيشة لم يكن مسموحاً لهم بذلك، ومنعوا كل ماله علاقة بالعلم والفن والإعلام، فلم يكن يوجد في عهدهم جامعات أو معاهد أو دور للكتابة والنشر أو صحف خاصة أو سينما أو مسارح أو أي من مظاهر الحياة الحديثة. أما عن اليمن الجنوبي فكان يقبع جزء منه تحت حكم الاحتلال البريطاني الذي سخره لخدمة مصالحة الخاصة، والقسم الأخر من اليمن الجنوبي كان مقسم إلى مشيخات وسلطانات صغرى لم يكن معترف بها من أحد، حتى توحد كل اليمن الجنوبي في دولة واحدة عام1967م تحت مسمى (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) بعد إخراج الاحتلال البريطاني من جنوب اليمن، وسبق ذلك تأسيس (الجمهورية العربية اليمنية) في القسم الشمالي من اليمن بعد التخلص من الحكم الإمامي عام 1962م.

دخلت اليمن مرحلة جديدة فدولة اليمن الجنوبي اتخذت النهج الاشتراكي، ونظام الحزب الواحد الذي أغلق الأبواب أمام الديمقراطية، والتعددية السياسية، وأمام أي تحركات لفتح أبواب أمام المستثمرين المحليين أو الأجانب لرفع عجلة الاقتصاد وبناء مشاريع كبرى؛ فضلت دولة اليمن الجنوبية حبيسة للمشاريع الضيقة والرؤى السطحية؛ إلا من ما خلا من مظاهر بسيطة في بعض المجالات. وأما عن اليمن الشمالي فقد كان أفضل حالاً بقليل من اليمن الجنوبي في بعض الجوانب وخاصة في ما يتعلق بالجانب السياسي والاقتصادي، فلم يتخذ النهج الاشتراكي كما حصل في دولة جنوب اليمن، وسمح بظهور مجموعة من الحركات السياسية والفكرية ساهمت في خلق بيئة أفضل لبعض رواد الحركات السياسية والفكرية والمستثمرين في القطاع الخاص؛ لكن وجود القبيلة وحضورها بقوة في كثير من مناطق الشمال وظهور تيارات دينية متطرفة قلل من فرصة التطور والحداثة والانفتاح على المجتمع الخارجي.

 فظل اليمن – الشمالي والجنوبي – في صراعات دائمة سواء في داخل كل دولة على حده، أو بين كلتا الدولتين، الأمر الذي عرقل قيام دولتين قويتين متفتحتين على الحياة المدنية الحديثة والعالم الخارجي. وفي العام 1981م أسست دول شبه الجزيرة العربية المطلة على الخليج العربي ما يسمى بـ (مجلس التعاون الخليجي) تاركين اليمن خارج إطار هذا الاتحاد برغم الصلات الوثيقة بينه وبين تلك الدول؛ مما ساهم في عزل اليمن أكثر، وانحصاره في جنوب شبه الجزيرة العربية دون أي تأثر بكل ما هو حديث حوله أو بعيد عنه. ولكن في العام 1990م توحد اليمن – الشمالي والجنوبي – في دولة واحدة سميت كما هو الحال حتى يومنا هذا (الجمهورية اليمنية) فكانت الفرصة متهيئة لقيام دولة مدنية قوية، إلا أن السرعة في تحقيق الوحدة بشكلها الحالي "اندماجي".

 وما شاب قيام الوحدة من عراقيل أهمها اختلاف النظامين الذين كانا قائمين قبل الوحدة، واختلاف الرؤى بين قادة البلدين. بالإضافة إلى حرب الخليج الثانية التي تركت أزمة كبرى بما خلفته من عودة ما يقارب المليون يمني من دول الخليج، عرقل قيام دولة حقيقية قوية تلبي تطلعت اليمنيين المنشودة، فقامت حرب عام 1994م وخلفت الكثير من الأضرار والانقسام داخل المجتمع اليمني، وتفرد نظام صنعاء بالحكم دون أن يكون له رقيب قوي يُقوم له اعوجاجه، هكذا كان اليمن وما زال يعيش عزلة مستمرة حتى في أحلك الظروف والأزمات التي يمر بها، ومجاورته لدول منغلقة عن العالم الخارجي مثل عمان والسعودية مما قلل فرصته في التطور في مختلف المجالات، وجعله حبيس أفكار الماضي وصراعات الحاضر حتى يومنا هذا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.