شعار قسم مدونات

نسبة الكحول اللّازمة لصحّة الإنسان هي صفر!

مدونات - الكحول

في دراسة حديثة نُشرت في أغسطس من العام الحالي في مجلّة (The Lancet)، أعلن العلماء أنّ الكحول ليس له أيّ فائدة تُذكر لجسم الإنسان. الدّراسة جاءت لتفنّد الاعتقاد السّائد بأنّ هناك نسبة معيّنة للكحول يمكن لمتعاطيها أن يحافظ على صحّته من خلالها. قد يكون هذا الخبر عادياً أو غير مهمّ للبعض، لكنّه شديد الأهمّية لمن كان يقرأ في الكتب أنّ الكحول مفيد لصحّة الإنسان، فلا يجد ردّا على ذلك بل يجد نفسه مضطرّا للتّصديق والتّسليم، فالكتب تحوي علماً لا يمكنه ردّه إلّا بالعلم.

هذا الأمر يشبه كثيراً ما كنتُ أسمعه من أستاذ يقول لطلّابه أنّ التّدخين فيه نسبة فائدة مهمّة على نشاط الدّماغ، وقد ظنّ أولئك الطلّاب أنّ كلامه علم موثوق لم يستطيعوا التّشكيك به، بينما تربّوا على أنّ التّدخين مضرّ، وذلك حتماً تناقض خطير لا يجب التّهاون فيه. تمّت هذه الدّراسة الحديثة على مدى ستّ وعشرين سنة وشملت 195 دولة. وبنتائجها اللّافتة، أطاحت هذه الدّراسة بكلّ الدّراسات السّابقة الّتي لطالما تحدّثت عن أنّ شرب الكحول باعتدال مفيد لصحّة الإنسان، كما طلبت الدّراسة أن يتمّ تصحيح هذه القاعدة الطبّية الخاطئة.

المنفعة المقصودة في الآية ليست منفعة متعلّقة بصحّة الإنسان كما قد يتصوّر البعض، بل هي منفعة من نوع آخر أقلّ من أن يعرّض الإنسان حياته للخطر من أجلها.

ممّا نشرته الدّراسة أيضاً أنّ الكحول قد جاء في المرتبة السّابعة من حيث خطر التسبّب بالوفاة في عام 2016، فهو ليس بدون فائدة فقط، بل أضراره جسيمة تؤدّي إلى أمراض كثيرة منها السّرطان، كما أنّ مدمن الكحول يقود حياته وحياة من حوله إلى الدّمار بسبب فقدانه للعقل خلال سكره. وبالحديث عن أضرار الكحول النّفسية على الأقلّ، اتّجهتُ لمواقع التّواصل لرؤية آراء من يتعاطون الكحول في بلدانهم بشكل يومي، وقد أدهشني ما رأيت. هناك تحدّيات كثيرة تطرحها صفحات على مواقع التّواصل الاجتماعي تشجّع المتابعين على الامتناع عن الكحول لمدّة معيّنة ومشاركة النّتيجة، وقد قال معظم من قاموا بالتّجربة أنّ حياتهم قد تحسّنت كثيرا منذ توقّفهم عن الشّرب، كما أنّ تطوّرات كثيرة قد حصلت على المستوى الشّخصي وعلى المستوى الأسري، بالإضافة إلى أنّ بعضهم قد قرّر التوقّف عن تناول الكحول بشكل نهائي بعدما رآه من سير حسن لحياته بعد انقطاعه عنه.

بالمقابل طبعاً هناك فئة ترفض رفضاً تامّاً التخلّي عن الكحول كشراب يومي، وترفض كلّ مصوّغ يقضي بأنّه ضارّ بصحّة وسير حياة الإنسان. نحن كمسلمين نعلم أنّ الكحول وكلّ ما يسكر عقل الإنسان هو محرّم لما فيه من أضرار. وقد جاء في تفسير آية تحريم الخمر أنّ المنافع، الّتي قال عنها الله تعالى أنّها أقلّ من أن تُقارن بالإثم الّذي يجلبه شرب الخمر، ليست إلّا منفعة المال الّتي تأتي من تجارة الخمر، ومنفعة اللذّة والنّشوة المؤقّتة الّتي تجرّ خلفها أذى كثيراً. لذلك فالمنفعة المقصودة في الآية ليست منفعة متعلّقة بصحّة الإنسان كما قد يتصوّر البعض، بل هي منفعة من نوع آخر أقلّ من أن يعرّض الإنسان حياته للخطر من أجلها. فلم يحرّم الله مثل هذه المسكرات إلّا تكريماً لعقل الإنسان الّذي ميّزه به عن سائر المخلوقات، فإن هو فقده فما الّذي يحول بينه وبين أيّ تصرّف همجي أو غير عقلاني؟

لمن أراد الاطّلاع على مزيد من تفاصيل البحث فما عليه سوى أن يقرأ محتواه، والحقيقة أنّني لم أكن لأبحث عمّا يتعلّق بالكحول لولا أنّ تفاصيل هذه الدّراسة المثيرة قد مرّت عليّ في صفحة الدّكتور إياد قنيبي على الفيسبوك. حيث شرح كيف أنّ طلّاب الجامعات يقرؤون في كتب العلاجات أنّه يتمّ تحديد كمّية معيّنة من الكحول أسبوعياً للمريض، وليس من السّهل تجاهل ما يجدون في الكتب الأجنبية الّتي لابدّ أن يعتمدوا عليها في الدّراسة. وبما أنّني تحدّثتُ هنا عن الدّكتور إياد قنيبي فأنا أنصح كثيراً بمتابعة سلسلة "رحلة اليقين" الّتي يطرحها الدّكتور بشكل علمي لافت يعلّمنا كيف نملك الحجّة واليقين، وكيف نردّ على الملحد بالعلم كي نحمي عقولنا من العبث الّذي يتغنّى به الملحدون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.