من لا يعرف خورخيه فيديلا فهو الحاكم العسكري المطلق للأرجنتين من 1976 إلى 1981 وصل إلى السلطة نتيجة انقلاب عسكري، اختفى في عهده الكثير من معارضين حكمه قتل وشرد ما يقارب 30,000 من المعارضين له كل هذه الدماء سفكها وأخفى قسرياً الكثير ممن لا يعرف بشأنهم أحد إلى يومنا هذا فقط لكي يتربع على ذلك الكرسي الزائل! ما جعلني أتذكر خورخيه هو ما يحصل في مدن الملح من اعتقالات وقتل داخل زنازين جدران الملح لعلماء ودعاة ومفكرين وأطباء وناشطين فقط لأنهم قالوا لا في وجه من قال نعم! عندما يكون الطاغية لا يخشى أحد ولا يخشى المحاسبة على ما يقوم به هو وأدواته لقمع معارضيه فتأكدوا سيستبيح الأعراض والمنازل ويُهين الكرامات للبشر فقط لأنهم قالوا لا فقط لأنهم خرجوا عن قطيعه الذي ورث ولاءهم له وراثة بالإكراه.
جمال خاشقجي الذي أعتبره إلى الأن مختفي وليس مقتولاً لأنني غرقت في جميع التقارير التي تناقض نفسها حول اختفاءه ولأنني لم أرى جثته التي قالوا أنها قُطعت وحُملت في أكثر من حقيبة وغادرت تركيا مع كتيبة الإعدام الذين أعدموه وصوروه إلى كبيرهم الذي علمهم السحر. جلست أتخيل تلك البشاعة في هذه الجريمة وأنا أتخيل رأسه إلى أين ذهب وقدميه في أي بحر تم إلقاءها ويديه إلى أي جزار منحت ليمحو آثار قلمه منها جلست أتخيل ما هذه البشاعة في الانتقام من رجل كل ما قام به هو أنه كتب وقال لا في وجه من قالوا نعم!
القلم الذي يهز العروش ويجعلهم يلاحقوه في بقاع هذه الأرض فهذا دليل على هشاشة الدولة وسرعة انهيارها لأنها سخرت كل عقولها الأمنية والقمعية في قتل إنسانٍ كان يحلم بوطن أكثر حرية |
إن صحّت هذه الرواية في بشاعة الجريمة سيصحو نيرون من قبره ليصرخ في مدن الملح بأنني أنا نيرون برغم تعطشي لقتل واغتيال وتشويه جثث من كانوا حولي وأقربهم أمي لن أقوم بما فعلتموه أنتم يا ملوك النفط في جمال خاشقجي.. فمن قرأ عن " نيرون "يعلم بأنه قام بإغراق قارب والدته في البحر ليقتلها ولكن عندما نجت والدته من الغرق قرر التخلص منها بإرسال جنود إلى قصرها ليقتلوها. فأرسل إليها جنوده بقيادة صديق عمره "انيكيتوس" الذي كان يتمنى هذه الفرصة منذ زمن بعيد. وبالفعل قتلها الجنود بالسيوف ثم أحرقوا بقايا جثتها.
لكم أن تتخيلوا خورخيه ونيرون من كبار طغاة التاريخ القديم والحديث لم يدر في خلدانهم أن يقتلوا معارضيهم بهذه البشاعة التي تُفيد جميع المعطيات والتقارير بأنها تمت بهذه البشاعة الموجعة للعين والقلب معاً! الذنب الوحيد الذي يقترفه الإنسان الحُر عندما يكون تحت حكم طاغية أهوج هو أن يخرج عن القطيع سالكاً الطريق الصحيح بإظهار الجانب السيء في قرارات هذا الطاغية التي لن تجلب على البلاد سوى الهلاك والدمار فيبدو أن من يقوم بإيقاظ الناس سيُقطع رأسه وهذا ما حصل مع جمال خاشقجي عندما قرر إيقاظ شعبه وشعوب العالم من خلال قلمه حيث قالها يوماً الدكتور "علي شريعتي": قلت لصديقي لم لا يصيح ديككم، قال اشتكى منه الجيران لأنه يوقظهم من نومهم في الصباح فذبحناه.. هنا فهمت أن كل من يوقظ الناس سيقطع رأسه.
في حياتنا يتداول الناس اسم الدجاج ولا أحد يذكر الديك لأن الجميع يفكر بما يملأ بطنه ولا يفكر بمن يوقظه. فالقلم الذي يهز العروش ويجعلهم يلاحقوه في بقاع هذه الأرض فهذا دليل على هشاشة الدولة وسرعة انهيارها لأنها سخرت كل عقولها الأمنية والقمعية في قتل إنسانٍ كان يحلم بوطن أكثر حرية وديمقراطية تجعل من وطنه وطنٌ يُفاخر فيه أينما حل وأرتحل ولكن هكذا هي عقول الطغاة اتجاه من يقف بقلمه أمامهم إما أن تكون معنا وتكتب لنا وإما أن يكون قتلك هو الحل الذي لن نتوانى في تحقيقه حتى وإن خالف كل الشرائع السماوية.