شعار قسم مدونات

‎قاموس الأمهات

blogs الأمومة

منذ طفولتي وأنا أخاف على والدتي وأرتعب في حال تضايقت أو تعبت أو في حال غضبت من تصرفاتنا. وتبعا لهذا وجهت دعوة على نفسها أو رددت إحدى جملها مثل "حاسة حالي رح تيجي لي جلطة".. الرعب كان يسيطر في هذه الحالات فعلا وكنت أضطر أن أفعل ما تريد دون عناد كبير، فإخوتي الذكور غالباً لا يشعرون جميعا بالشعور نفسه، فكان لا بد أن نهون عليها بمراعاة الظرف فأحدنا يعاند وآخر يستجيب وآخر يستجيب بعد نقاش.. وهكذا، مع العلم أن عباراتها معروفة، وكنت أحيانا وإخوتي نراهن على العبارة التي ستقولها في موقف معين.

 

‎في الحقيقة، كنت أظن أن والدتي عصبية فوق الحد الطبيعي وأن ما يصدر عنها من عبارات هو حكرٌ عليها لا تستخدمه باقي الأمهات، وفي الوقت ذاته كنت أخشى أن نكون الأطفال الوحيدين المزعجين في البيت والذين يعاندون والديهم كثيراً، وخصوصاً أمي، إذ كان والدي يعمل بعيداً عنا وبالتالي كان خوفي دائما لا ينقطع على والدتي. ولا أنكر أن هذا الخوف مستمر حتى اليوم. بمرور الوقت كنت ألاحظ أن جدتي تستخدم غالبا عبارات كعبارات والدتي؛ وبناء عليه كنت أظن أن هذه العبارات مرتبطة بالعائلات، وكان هذا يرعبني أكثر، فكيف سأستعمل هذه العبارات نفسَها عندما أصبح أما؟!

 

‎لاحقاً، اختلفت الأمور، فمع تقدمنا في العمر أصبحنا نتشارك مواضيع مثل هذه مع الأصدقاء والصديقات واكتشفنا أن هذه العبارات ليست حكراً على والدتي ولا على الأمهات في عائلتي وإنما هذا قاموس غني تتشاركه الأمهات جميعاً. كما أن هذه العبارات ليست سلبية دائماً، فكثيراً ما كانت والدتي -ولا تزال- تردد "أنا بحب أولادي يْكونو أحسن ناسْ".. جميعنا كنا نظنها أنانية أحياناً وأحيانا أخرى نرى أنها مبالغة، ونستذكر المثل الشعبي أن "القرد في عين أمه غزال"؛ فمهما كان فعلنا شنيعا في يوم من الأيام فوالدتنا هي أول من يبرر لنا ويغفر لنا لأنها على يقين من أن ابنها/ابنتها هم الأفضل دوما.

 

 للأمهات لغة خاصة لا يدركها إلا هن، لغة الحب والحنان المميزة والمرتبطة بهن. ورغم أن هذا القاموس لا يحتاج إلى مترجم خاص كباقي اللغات فإنها أشد ندرة وأكثر حباً ووفاءً وحنان
 للأمهات لغة خاصة لا يدركها إلا هن، لغة الحب والحنان المميزة والمرتبطة بهن. ورغم أن هذا القاموس لا يحتاج إلى مترجم خاص كباقي اللغات فإنها أشد ندرة وأكثر حباً ووفاءً وحنان
 

-أنا: ماما أين منشفتي الزهرية؟

-ماما: في الخزانة الوسطى، على الرف الثالث.

-أنا: ما بينت معي.

-ماما: وإذا جيت ولقيتها؟!

 

لعل واحدة من أشهر عبارات الأمهات "وإذا جيت ولقيتها"، أي ماذا لو جئت ووجدتها؟ وبالفعل، لا تكاد أمي تردد هذه العبارة في مرة من المرات إلا وتجد ما أبحث عنه. وكنت أظن كالعادة أني أمي الوحيدة هي السحرية وأنها تجد ما نفقد، إلا أنني اكتشفت وبعد تشارك الخبرات مع الأصدقاء، أن الأمهات جميعا يتشاركن في صفة أنهن المرأة السحرية الفولاذية.

 

أنا لم أصبح أماً بعد! ليس لشيء لكنني لم أتقن قاموس الأمومة ذلك القاموس المختلف من نوعه، لا أعرف إن كانت الأمهات يمتلكن قاموساً موحداً في كل العالم ولكني متيقنة من أن للأمهات لغة خاصة لا يدركها إلا هن، لغة الحب والحنان المميزة والمرتبطة بهن. ورغم أن هذا القاموس لا يحتاج إلى مترجم خاص كباقي اللغات فإنها أشد ندرة وأكثر حباً ووفاءً وحنان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.