شعار قسم مدونات

المستقبل الإيراني المنظور

مدونات - روحاني
لطالما كان رهان الغرب على ضعف الجبهة الداخلية الإيرانية، فشعب إيران يعاني القهر والفساد من اللذين يتخذان الدين كوسيلة لترهيب ونهب الناس باسم ولاية الفقيه. لكن رهان الغرب الأكبر كان على ضعف النسيج العرقي القومي والتفكك الذي رسخه نظام "الملالي" بإقصاء كل طائفة أو عرق لا تتبع دين وديدن الدولة.
 
إيران ربما ليست مثل سوريا -أقليات وأكثرية واحدة- لكن أقليات إيران تكاد تكون أكثرية، إذ يشكل السنّة 10 في المائة من المكوّن الإيراني، الأكراد 7 في المائة، أما الفرس فلا يجاوزون في أحسن الأحوال 51 في المائة، بينما تشكل القومية التركية 24 في المائة، عدا عن كثير من الأقليات الأخرى التي لا يستهان بوزنها مع ما سبق مجتمعة. إن إيران دولة ذات حجم سكاني يبلغ الـ80 مليون مواطن -أي أكثر من ثلاثة أضعاف عدد سكان سوريا قبل تهجيرهم- وجغرافيا واسعة تقارب تسعة أضعاف مساحة سوريا، وبالتالي من ناحية إستراتيجية، كلما كبرت وترامت الجغرافيا وارتفع عدد السكان، كان من الصعب بسط النظام في كافة الأرجاء، لاسيما إذا كان "العدو" من الداخل.
 
بالتأكيد النظام الإيراني مطّلع ومتابع لهشاشة الوضع الداخلي وهو ذكيٌ جدا، ربما يتفوق ذكاؤه على مستوى السياسة الخارجية معظم دول العالم، لكنْ فاته -مثل غيره من دول عبرت- أن القوة تأتي وتُستمد أولا من الداخل، ومن ثم يتم تسخيرها للخارج وليس العكس. إن هذا الفكر منبعه الظلم، فكل العناصر لا بد أن تشكل منظومة واحدة مجتمعة، إذا فشلت الدول في إحداها فلا بد أن يساهم ذلك في قصرعمرها وانهيارها.
 
الآن، قام الغرب بمحاولة تسخير إيران لخدمته وأطلق يدها في المنطقة، فعمّت الفوضى الأرجاء. فإيران لم تشكل في أي يوم تهديدا للغرب، وكل "أوجاع الرأس" كان مصدرها المكون السنّي. وقد توصلت أمريكا إلى هذا الخيار الأحلى مرارة بعدما منيت بخسائر فادحة في العراق وأفغانستان، كان يقف وراءها ذلك المكوّن في أغلب الأحوال، إذ كانت تصدر دول قوات التحالف بيانات قتلى جنودها، ليتبين أن معظمهم لقي مصرعه في مناطق ذات طبيعة ديمغرافية سنيّة. حينها قررت قوات الولايات المتحدة الانسحاب ووضع إيران كبيديل لتملأ الفراغ، فتكون طهران صديقها المؤقت الذي يحرق البشر والشجر، وعدوها القادم الذي لا بد أن يسلم راية القيادة والمنطقة لإسرائيل.
 

اليوم الشعب الإيراني تحرك، فهل هذه بداية النهاية، أم أن نظام إيران سيستطيع امتصاص نقمة الشعب بدهائه المعتاد؟
اليوم الشعب الإيراني تحرك، فهل هذه بداية النهاية، أم أن نظام إيران سيستطيع امتصاص نقمة الشعب بدهائه المعتاد؟
 

كانت البداية بتسليم العراق بطريقة "المفتاح" للنظام الإيراني، وبعد ذلك اتبعت إيران تكتيك الهجوم من أجل الدفاع، واطلقت أذرعها في لبنان والعراق وسوريا واليمن، مستغلة الصمت الغربي والمناطق الديمغرافية التي تحوي المكوّن الشيعي، ونجحت في ذلك من خلال استخدام علماء الدين الذين غلّفوا أحلام إيران ومطامعها بغلاف العقيدة ودفع الظلم عن المقهورين ثم باعوها للجهلة والمنتفعين.

 
يُعدّ نووي إيران مصدر إزعاج وخطا أحمرَ بالنسبة إلى الغرب وإسرائيل، إذ إن حصولها عليه سيخرجها عن إطار السيطرة وتبدأ في "ابتزازهما" كما تفعل كوريا الشمالية. والأهم من ذلك سيشكل النووي قوة ردع فعالة ضد إسرائيل، التي لديها مطامع توسعية جغرافية كانت طهران قد "تعدّت" عليها أصلا. فأصبحت الأخيرة الآن في سباق مضن مع الزمن للحصول على النووي، وكل ثانية ستحسب إمّا لها أو عليها.
 
اليوم الشارع الإيراني تحرك، فهل هذه بداية النهاية أم أن نظام إيران سيستطيع امتصاص نقمة الشعب بدهائه المعتاد؟ وهل فعلا انتهى الغرب من استخدام وتسخير إيران لتحقيق مكاسب مشتركة تكون دائمة له ومؤقتة لها، فبدأ في المساهمة في خلخلة الجبهة الداخلية، خصوصا أنه أصبح يعتمد أسلوب "القيادة من المقعد الخلفي" ولم يعد يقوى على التدخل المباشر؟ وهل الظلم الذي وحد الفرس مع باقي الأقليات سيحافظ على وحدة المجتمع في حين زوال النظام، أم سيتكرر السيناريو السوري الذي بدأ مشواره سلميا وتحول طائفيا دمويا بسبب إيران نفسها؟ وهل إذا نجا الملالي هذه المرة من شعبهم أو من انقلاب عسكري سيسكت الغرب ويكتفي فقط بتقليم أظافر إيران خارج حدودها واعادتها إلى المربع الأول؟
 
لا بد أن تأخذ الأمور منحى من التصعيد في المستقبل المنظور. ولا أسف على نظام كان عاليا في الأرض أظهر فيها الفساد، لكن الأسف على شعب بسيط تم ظلمه بغرس التطرف والتبعية بين شبابه. شعب صار عليه أن يدفع ثمنا باهظا جدا بسبب تقادم العيش مع هذا النظام. لكن، علّ وعسى أن ينصرف عنهم الظالمون، دون أن نرى دماء أطفال هدّارة تسيل في شوارع إيران كما سالت وتسيل مثيلاتها في سوريا والعراق واليمن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.