شعار قسم مدونات

لماذا لا أرى في الناس إلا ما يثير أحقادي؟

blogs - man
مرحبا

أنا مريض نفسي.
لا أعلم.. كنت إنسانا عاديا، أمارس حياتي بشكل طبيعي إلى أن…لا أعلم!
لم أشخص من قبل طبيب.. وبناء على الفحص تبيّنت إصابتي.. لم يكن شيء من ذاك.. لذلك أنا أتحدث إليكم الآن..

   

دعوني أخبركم من أكون؛ قبل كل شيء كل شيء كان على ما يرام.. وأكون مجحفا إذا لم أقل إنه ما زال كل شيء على ما يرام! قبل كتابة هذه الكلمات: أنا مثلكم تماما، أمثّل بأنني سعيد ومطمئن وصحتي النفسية جيدة، فأنا لا أعاني اكتئابا لأنني أبدو هادئا ومبتسما.. نعم قد أضع رأسي على الوسادة ولا أستطيع النوم، وينتابني شعور خانق والليل يمضي وأنا أتقلب في الفراش لا أستطيع ترتيب أفكاري، تخفيف حدتها، فهم تلك الهواجس السخيفة، والقلق ينهشني.. لكنني وبعد جهد أنام -قَرير العين- لأستيقظ باكرا كأن شيئا لم يكن!
   
أستيقظ عادة قلقا.. كأن قَلق البارحة نامَ واستيقظ معي! يعاودني إحساس بالنفور والاشمئزاز من كل شيء، تبدأ المخاوف تصرخ فيّ وتُنادي وهي في أعماقي بأن: أنت اليوم تعيش كالأمس.. قُم أو لا تقم لن يتغير شيء. أجاهد بمعنى الكلمة لأقوم وأبدأ يومي المعتاد، في أن أبقى متماسكا مع كل الهدم المستمر في داخلي.. لا بأس، المهم مظهري الخارجي لا يتأثر بهذا الهدم؛ ومن يضمن سلامة المظهر الخارجي أخيرا؟

  

فجأة يصحو الضجيج في رأسي.. تبدأ فوضاي وأغبى المشاهد وأسخف ما قد رأت عيني تتراقص في مخيلتي.. تعاملي مع الآخرين يكون غير الذي أريد.. صوتي ليس صوتي، ما أتحدث به خارج عن إرادتي، ومشكلتي هي وعيي بكل هذا! أعلم أنني أنحدر ولا أستطيع سوى انتظار ارتطامي..

 

لا أملك إلا الاستمرار مع أنني غير مرة فكرت بأن أنهي كل شيء.. للفظ "مريض نفسي" وقع خاص، وكأنها كلمة نابية أو عار أو خطيئة ما! بدأ كل شيء بلا مُقدمات.. لم يبدأ؛ فكل ما أشعر به الآن كان ونما إلى أن طغى وتضخم.. كان جرحا لا يلتئم مع مرور الزمن..

  

أكره الناس، لا أرى فيهم إلا ما يُثيرُ في نفسي بُغضهم واحتقارهم.. لا أحتمل وجودهم حولي، لا أسعد برؤيتهم.. لا أستوعبهم وما يريدون، وأحيانا أشعر وكأنهم وحوش مفترسة
أكره الناس، لا أرى فيهم إلا ما يُثيرُ في نفسي بُغضهم واحتقارهم.. لا أحتمل وجودهم حولي، لا أسعد برؤيتهم.. لا أستوعبهم وما يريدون، وأحيانا أشعر وكأنهم وحوش مفترسة
  

تسلل الشكُّ إلى قلبي وبدأ إيماني بالوجود يضعف حتى ليكاد ينعدم.. الأحداث والمآسي تستحوذ على ذهني وتحيلني سوداويا لا يرى في الوجود سوى جحيم لا يطاق وبضعة شياطين تتنافس فيما بينها.. ثقتي بالآخرين تمزقت من حدة أفعالهم وتصوراتي لها.. لا أعلم هل أصبحت بصيرتي نافذة لدرجة أنني أكشف دخيلتهم من خلال ما يظهرون، وما يكشف لي لا يزيدني إلا نفورا منهم!
    
أحيانا يهمد كل شيء، لكنني أصبحت أعرف بأن الهدوء عادة يسبق العاصفة، وفي كل مرة تُفاجئني العاصفة كأنني لم أعرف شيئا! وأحيانا أفقد السيطرة على نفسي؛ يصيبني حماس شديد ورغبة جامحة لفعل عدة أشياء (مهمة، مثيرة) لا أفعلها عادة لأنني لا أقدر على إتقان الفعل في ذروة حماستي تلك.. يتحول ذلك الاندفاع والفرح الطاغي إلى حزن وتعاسة تقيّد أركاني وتجعلني أهبط إلى الأسفل مجللا باليأس والقنوط.

  

أكره الناس، لا أرى فيهم إلا ما يثير في نفسي بغضهم واحتقارهم.. لا أحتمل وجودهم حولي، لا أسعد برؤيتهم.. لا أستوعبهم وما يريدون، وأحيانا أشعر وكأنهم وحوش مفترسة عليّ أن لا أغفل عنهم، ولا بد لي من أن أبتعد عن دائرة الخطر.. لسانُ حالي يقول: لستَ أنت من يكره الناس.. لكنك لا تملك إلا كرههم.. لأنهم يستحقون منك ذلك، مثلما أنت تستحق! لا أفهم تناقض أفكاري ومزاجي، ففي لحظة أكون مثلا؛ متفائلا، وكومضة ضوء ينقلب التفاؤل لإحباط.. وأريد شيئا بشدة، وبعد قليل أكره هذا الشيء ولا أحتمل وجوده..

  

لكنني مثلما قلت في البداية "كل شيء على ما يرام" فلو لم أكتب تلك الكلمات.. هل سأكون نفسيا ذا صحة جيدة؟ وكيف لي أن أعرف حقيقة مرضي النفسي؟ لن أذهب إلى الطبيب إلا إذا مرضت جسديا وأعياني مرضي عن إظهار أن "كل شيء على ما يرام" فعلا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.