شعار قسم مدونات

"Narcos".. طموح سياسي أم شعور قاتل بالطبقية؟

blogs ناركوس

تقول والدته وهي واقفة على جثته إنه رجل نبيل، وإنه بنى منازل وأحياء للفقراء. عندما قتلت الشرطة تاجر المخدرات الكولومبي بابلو إسكوبار، لم تجد والدته شيئا طيبا يُذكر عنه سوى اهتمامه الكبير بالفقراء، ولكن السؤال الحقيقي الذي طرحته على نفسي، هل كان بابلو كريما مع الفقراء لأنه طيب، أم أنهم كانوا نقطة ضعفه؟

 

مسلسل "Narcos" الذي عُرض للمرة الأولى على شبكة نيتفلكس عام 2015؛ تدور أحداثه حول تاريخ عصابات المخدرات في كولومبيا منذ السبعينيات، وكان الجزء الأول والثاني من المسلسل حول حياة بابلو إسكوبار وحتى سقوطه بين يدي ضباط الشرطة الأمريكان والكولومبيين، ولذلك تخيل البعض أنها نهاية المسلسل.

 

ولكن صناع المسلسل أنتجوا أجزاء أخرى تدور أحداثها حول باقي التحالفات الكولومبية لتجار المخدرات، والتي استطاعت أن تنمو وتكوّن إمبراطورية كبيرة؛ مستغلين انشغال الشرطة ومكافحة المخدرات بالقبض على بابلو إسكوبار، ولكن لم تحصل باقي الأجزاء على نفس شعبية الأجزاء الأولى؛ نظرا لما تمتعت به شخصية إسكوبار من متناقضات وجنون واضح.

 

بابلو أراد المكانة الاجتماعية، واختار التبرع بالأموال وبناء الأحياء للفقراء مجانا بابا للوصول إلى قلوب الشعب الكولومبي، ونجح في هذا

بابلو عاش طفلا فقيرا في أحياء كولومبيا العشوائية، وكره الفقر منذ صغره، ولكن إحساسه بالفقر لم يتوقف عند الفقر المالي، فكان بابلو يحلم بالحلم الكامل، أن يكون ثريا وأن يكون ذا جاه أيضا، وتلك كانت نقطة ضعف بابلو التي أوقعت إمبراطوريته كاملة، وأوقعت معها المئات من جثث الضحايا الأبرياء.

 

عندما يكون حلمك أن تجمع أكبر كم من المال ولديك الطرق غير المشروعة لتوفير هذا المال، ومن ثم توفر لنفسك التأمين الكافي من الشرطة سواء بالرشاوي أو التهديدات؛ يمكنك أن تعيش ملكا في كولومبيا في ذاك الوقت، وهذا بالضبط ما حققه بابلو واستطاع عن طريق تجارة الكوكايين أن يحصل على لقب أهم أثرياء العالم؛ وهذا العالم كان يدرك جيدا أن بابلو تاجر مخدرات، ولكن من لديه القدرة على الإثبات فليتقدم خطوة للأمام.

 

أي رجل آخر كان يعاني من قلة المال، تلك المكانة كانت ستكفيه، ولكن بابلو أراد المكانة الاجتماعية أيضا، واختار التبرع بالأموال وبناء الأحياء للفقراء مجانا بابا للوصول إلى قلوب الشعب الكولومبي، ونجح في هذا أيضا، وتحول إلى شخصية اجتماعية يحبها كل مواطن كولومبي، دون أن يدركوا الجثث التي تسقط حول العالم بسبب سمومه التي يصدرها بـالـ"كيلوهات".

 

مرة أخرى، رجل غير بابلو كان سيكتفي بحب الشعب الكولومبي، والأموال التي لم يجد لها مكانا في بيته فدفنها في أماكن متعددة، ولكن بابلو كان إحساسه بالطبقية يسيطر عليه وعلى تفكيره، وتحول هذا الهوس إلى نقطة ضعفه، ودق بابلو أول مسمار في نعش إمبراطوريته عندما قرر الترشح في مجلس الشعب؛ لرغبة في قلبه بأن يكون رئيس كولومبيا في يوم من الأيام، ذلك الرجل أراد كل شيء حرفيا؛ المال والجاه والسلطة وضِف إليهم الأسرة والأبناء، وهؤلاء كانوا نقطة ضعفه الثانية.

 

إذا كنت تاجر مخدرات كولومبي تحمي مصالحك ولا تجرؤ الشرطة على الاقتراب منك، فحسنا! هذا أمر قد يتغاضى عنه العالم، ولكن هذا العالم سيقف بأكمله ضدك حينما تقرر الانضمام للعبة السياسة، وقتها سيضعك العالم تحت المنظار، ويبحث منافسوك عن فضائحك، والرجل البريء النزيه يجدون له زلات يدمروه بها، فما بالك بتاجر مخدرات سمعته عالمية.

 

كان المحقق الأمريكي ميرفي هو البطل الحقيقي في هذا المسلسل بالنسبة لي، وساعد كونه الراوي لأحداث المسلسل في أن يجذب المزيد من المشاهدين
كان المحقق الأمريكي ميرفي هو البطل الحقيقي في هذا المسلسل بالنسبة لي، وساعد كونه الراوي لأحداث المسلسل في أن يجذب المزيد من المشاهدين
 

لفظ العالم السياسي بابلو إسكوبار بقسوة وحزم، لتبدأ حرب دامية دامت لأعوام بين بابلو والعالم كله حرفيا؛ قتل رجال الشرطة، وفجر محاكم قضائية، ومراكز تجارية يملؤها العامة الأبرياء، وأعمال إرهابية صرفة أثبت بابلو من خلالها أن شعب كولومبيا سواء الفقير أو الغني لا يعنيه في شيء، هم فقط كانوا مجرد جسر يسير عليه ليصل إلى السلطة، وعندما فشل في ذلك؛ فجّر هذا الجسر حرفيا. وإن لم يستطع حكم كولومبيا، إذن سيدمرها، وهذا هو الشعار الذي يمكن رفعه على أعمال بابلو إسكوبار في أعوامه الأخيرة وحتى موته.

 

على الرغم من انجذابي المعتاد للأشرار في الأعمال الدرامية، إلا أن بابلو إسكوبار لم أستطع التعاطف معه، وربما يكون المسلسل قد بالغ في تجسيد شرور هذا الرجل، ولكن هناك بعض المواقف التي اتفق عليها التاريخ والتي تؤكد أن مرتكبها هو بابلو، وهي أفعال يصعب على بشري طبيعي ارتكابها، ولذلك كان المحقق الأمريكي ميرفي هو البطل الحقيقي في هذا المسلسل بالنسبة لي، وساعد كونه الراوي لأحداث المسلسل في أن يجذب المزيد من المشاهدين.

 

المسلسل من بطولة الممثل البرازيلي واغنر مورا والذي قام بدور بابلو إسكوبار ببراعة، وغيّر من شكل جسده كثيرا ليتوافق مع الدور، بينما قام بدور الضابط الأمريكي ميرفي الممثل بويد هالبروك، وقام بدور الضابط المكسيكي خافيير بينا الممثل بيدرو باسكال، والذي أكمل رحلة البحث عن تجار كولومبيا من أول الجزء الثالث.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.