"ياما قلوب هايمة حواليك… تتمنى تسعد يوم برضاك
وأنا اللي قلبي ملك إيديك… تنعم وتحرم زي هواك
وعمري ما أشكي من حبك مهما غرامك لوعنِي .. وعمري .."
لا يمكننا أن نقول إن الهزيمة حُلوة، بل يجدر بنا الاعتراف دائما أنها مرّة، يمكننا الحديث عن تعريف الهزيمة، كيف تحدث، عن الفاعلين والمفعول بهم، عن الانكفاء عن الذات، عن الهرب للخاص من العام، لفقدان الأمل والجدوى كعرض جانبي أكيد لأي مهزوم..
هنا لن أكتب عن الهزيمة، ولا عن الثورة من كونها ثورة، لن أكتب الحزن أو الألم .. أنا هنا سأكتب عن انتصار المهزومين، عن انتصار من يظن نفسه مهزوما من حيث يدري أو من حيث لا يدري..
"الليل عليا طال.. بين السهر والنوح
واسمع لوم العزّال.. اضحك وانا المجروح"
وحيث إن الانتصار هو شعور داخلي بالأساس، فمحدثتكم خير من يتحدث عنه، لا بصفتي منتصرة، بل بصفتي فتاة عايشت الثورة كلها، يوما بيوم، وساعة بساعة، وبصفتي مهزومة من المهزومين، ولكنني -للمفارقة- ولسبب طبي وبشكل أو بآخر لا أذكر أي أحداث مررت بها، كل الأحداث غائبة، ولم يتبق لي مما مررت به إلا سحابات من المشاعر الصافية، وبذلك -ولا أزكي نفسي- أكون خير من يحدثكم عن النصر من قلب الهزيمة ..
" وعمري ما أشكي من حبّك…. مهما غرامك لوعني
لكن أغير م اللي يحبّك…. ويصون هواك أكتر مني "
لن أتحدث هنا بصفتنا أفرادا، أو أن فلانا قفز فوق المدرعة، أو أن علانا أول من هتف، أو أن ترتانا صنع وسوى، بل سأقول نحن فعلنا، ونحن صنعنا، ونحن مشينا، لأننا فعليا، قمنا وفعلنا ووقفنا..
في فيلم (Akeelah and the Bee) يتحدث المعلم قائلًا "إن الشجاعة لا تعني غياب الخوف، بل تعني تجاوز الخوف والانتصار عليه"، وأزعم أننا في هذا اليوم وما تلاه كنا أشجع الشجعان، عصبة من الأبطال، بلا سلاح، ولا تدريب، سنقف نحن بجاكيت أسود، في الاسكندرية تحديدا، ونفتح الجاكيت على وسعه أمام الجنود، وسنتلقى طلقة هانئة في القلب تمامًا، وسنتمدد في الأرض، ونموت وهذا الموت هو عين الانتصار، نحن من تلقينا طلقات في العيون مباشرة، وسنسمع دائما وأبدا في صحونا ونومنا "جدع ياباشا، جت في عينه" الباشا لم يكن جدعا تماما، لأننا حتى لو فقدنا عيوننا جميعا فمازلنا نعرف الطريق، لأننا نحن من دهستنا المدرعات، وضربنا بالآليات والجرينوف، لأننا نحن جميعا من فتحنا أذرعنا في مواجهة المدرعات، لأننا كنا شجعانا وانتصرنا على غريزة الكائنات الحية الأولى "البقاء حيًا" ..لأننا نحن من لمسنا حريتنا بيدينا، انتصرنا لأن الذي يلمس حريته بيديه ..للحظة ..لا يمكنه أن يعود عنها، ولو قال وزعم..
لأن البنات الجميلات اللواتي خرجن في الطرقات والشوارع لم يعرفن الخوف كما يليق بهن، ولم يخفن أن تتسخ أثوابهن، أو أن يتلقين الضربات أو الرصاصات، لأنهن كن أميرات الواقع، وأميرات الواقع دائما خير من أميرات الخيال ذوات الحياة المملة التي تنتهي دائما بـ"وعاشا بسعادة للأبد"، نحن نساء نستحق أن نعيش حياة مليئة بالأكشن..والثورة تليق بنا، ولا يليق بنا غيرها..
"وعمري ما اشكي من حبك…. مهما غرامك لوعني
لكن أغير م اللي يحبك…. ويصون هواك أكتر مني "
لأننا مشينا في طريق نعرف أن أوله وآخره موت وقتل، سجن وتعذيب وتشريد واختفاء قسري، لأننا فعلنا هذا كله بإرادة حرة مختارة، فنحن المنتصرين حتى لو ظننا غير ذلك..
نعم تعبنا، وتألمنا، وسُحقنا داخليا وخارجيا، وفقدنا أعزاء، ولكن لكل شيء ثمن، وهذا ثمن التغيير، التغيير البطيء الذي يحدث على سنوات طويلة جدا، ويمر فوق جثثنا، وجثث أبنائنا، وأحبائنا وأهالينا وكل ممن تمنينا ألا تجمعنا معهم إلا ذكريات جميلة، مملوءة بالأحاديث الضاحكة، سيعبر هذا التغيير ويسحق أحلامنا الجميلة، على أمل وحيد، أن هذا التغيير الساحق الذي سيحدث -غصبا عن الجميع- كنا نحن من صنعناه وبدأناه، لأن مسيرة التاريخ تمر، وكما تمر فوقنا نحن المهزومين لحظيا، ستمر فوق الطغاة والمستبدين والظالمين، المهزومون بعديا، سينهزمون هم للأبد، لأننا نحن التاريخ الحقيقي، الذي سينتصر دائما، ولأن البوابة التي فُتحت لن تغلق، لأنها انكسرت، ولأننا قد نموت قبل أن ندرك هذا التغيير، لكننا سنموت ونحن مطمئنين أننا رغم كل الخدوش والألم..انتصرنا..
" أول عنيا ما جت في عنيك…. عرفت طريق الشوق بينا
وقلبي لما سألته عليك…. قالي دي نار حبّك جنة
وعمري ما أشكي من حبّك…. مهما غرامك لوعني
لكن أغير م اللي يحبّك…. ويصون هواك أكتر مني"
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.