هاتانِ الموجتانِ تأخذانِ منحًى خطيرًا في عقول الشبابِ التائهِ في زمنٍ أضحى الحليمُ فيه حيرانًا، فإنْ كان أمثالُ وسيم يوسف الذائدين عن الدين الإسلاميّ فلا أستغرب من نفور الكثير من الشباب -غير القارىء والباحث- إلى أنْ يلحدَ أو يضعفَ يقينُهُ. وكنتُ إذا استمعتُ للشيخِ جميع دروسه وعظاته، وللإمام القارىء جميع السور، ثمّ رأيتُ منهم ما يُسيءُ بالدين، ويناقضُ صورَهم التي جمّلوها في ذهننا بنفاقهم، فلا أكاد أستطيع أنْ أتجاوز الدقيقةَ الواحدةَ في الاستماع لهم بعدها.
الشباب التائهُ يحتاجُ إلى صوتٍ رفيقٍ يلامس قلوبَهم ويحرِّكُ مشاعرَهم، ولعلَّ النابلسي نجحَ في هذا الأمر، حيث لم يكن من الصارخينَ المُرهبينَ الجامدينَ بفتواهم ودعواهم |
تكلَّمتُ عن موجتَينِ داهمتَينِ تحيطُ بالشباب من كلِّ جانبٍ، ولا أرى أنّ موجةَ التشكيكِ هي الأخطر، بل قرينتها هي الأخطر، فإن توفّر للشباب داعيةٌ حقيقيٌّ يلمسُ واقعَ الشباب ويخالطهم سيعرف أنّ طريق الدعوة في هذا العصر ليست كسابقيه من العصور؛ الشباب التائهُ يحتاجُ إلى صوتٍ رفيقٍ يلامس قلوبَهم ويحرِّكُ مشاعرَهم، ولعلَّ النابلسيّ نجحَ في هذا الأمر، حيث لم يكن من الصارخينَ المُرهبينَ الجامدينَ بفتواهم ودعواهم ولا المداهنين، بل يأخذ همومهم فيبسّطها ويخفّف عن آلامهم، وأيضًا لن يكون هناك أيّ تأثيرٍ يُذكَرُ من موجة التشكيك المعاصرة في أصول الإسلام وثوابته بتوفّر الدعاةِ الحقيقيينَ ونشرِ أعمالهم.
ختامًا، أذكر أنّني استمعتُ لأحدِ الشيوخِ الفصحاءِ فقال: "والفصاحةُ قرينة النفاق إلّا من عصم اللهُ قلبَه"، ثمّ بعدها بأيَّامٍ شاهدتُ مقطعًا يُحرِّمُ فيه منافسةَ رئيس بلاده -في فترة الانتخابات الرئيسية- فيأتي بالآيات المتشابهةِ "ابتغاء الفتنةِ وابتغاء تأويله"، فمثله ومثل أيّ "شيخٍ" آخر يذكّرني بقولِ الشاعر الأندلسي الذي قال ما قاله عند شيوع الألقاب الفروسية في المملكة الأندلسية وهي في عزّ ذلّها:
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.