شعار قسم مدونات

الأحزاب السودانية ومعضلة البرنامج الاقتصادي

blogs احتجاجات السودان

يمر السودان بأزمة اقتصادية سيئة، ويمكن أن نقول الأسوأ في تاريخه منذ أن نال استقلاله. مع كل موازنة عامة جديدة تتحسس السلطة أدوات بطشها، وتعد عدتها لمواجهة أي "طارئ" قد يحدث، والطوارئ التي تستعد لها الحكومة ليست في الأزمة وإنما في الشعب، وخروجه عن مألوفه ليعبر عن رأيه في الموازنة العامة التي تُعد كل عام على جيبه دون المساس بأي امتيازات السادة الدستوريين والوزراء. 

لقد دعا في الأسبوع الماضي الحزب الشيوعي السوداني عامة المواطنين للخروج بموكب إلى مقر حكومة ولاية الخرطوم لتسليمها مذكرة احتجاج، لكن كالعادة، واجهت الحكومة هذا الموكب رغم سلميته بوابل من الغازات المسيلة للدموع، كما اعتقل مجموعة من الصحفيين والنشطاء؛ ثم دعا حزب الأمة أيضا لتجمع سلمي في ميدان الأهلية وسط أم درمان، لكن لم تختلف المواجهة، بل أُجبر رئيس الحزب على المشاركة ومخاطبة من تجمعوا. 

أين المشكلة؟
لا يمكن أن تحل الأزمة الاقتصادية دون توافق سياسي مهما كانت كيفية هذا الحل السياسي، والرهان على الأحزاب رهان فاشل، فكل حزب يريد أن يُكتب أي تحول باسمه وهذا غير ممكن بهذا الوقت

بالرغم من احتجاج الأحزاب على المؤتمر الوطني الحاكم لسوء إدارته الملف الاقتصادي، وفشله الذريع في إيجاد بدائل تحل هذه المعضلة الاقتصادية، إلّا إنه لا يختلف عن كل الأحزاب السياسية التي تطرح نفسها في سوق المزايدات على المواطن، هذه الأحزاب كلها ليس لديها أي مشروع اقتصادي واضح، ولا بدائل موضوعة تستطيع أن تدير بها الاقتصاد. في نظرة تاريخية نجد أن أغلب الأحزاب السودانية قد وصلت لسدة الحكم بطريقة أو بأخرى، فكانت النتيجة كما هو الحال الذي يُدير به المؤتمر الوطني الاقتصاد؛ سياسة "رزق اليوم باليوم" وهذه أكبر مشكلة تواجه مستقبل الأحزاب في السودان، وهي عدم قدرتها علی إنتاج برنامج اقتصادي له أُُفق يمكن أن يطمئن المواطن ليصبر عليه، لكي يصبر على أمل أن تحل على الأقل. 

إن الأحزاب القائمة اليوم لا تستطيع أن تجيب على سؤال كيفية نهضة الاقتصاد السوداني في سنة أو اثنتين، وإذا ما سقط هذا النظام اليوم أو غدا لن تحل أزمة الخبز والبنزين، ولا أزمة انهيار العملة المحلية. 

كيف تحل المعضلة الاقتصادية إذن؟

عموما، لا يمكن أن تحل الأزمة الاقتصادية دون توافق سياسي أو حل سياسي، مهما كانت كيفية هذا الحل السياسي، وإن الرهان على الأحزاب رهان فاشل، وكل حزب يريد أن يُكتب أي تحول يحصل في السودان بسمه وهذا غير ممكن في هذا الوقت. في الأيام الماضية رأينا تراشقا في وسائل التواصل الاجتماعي بين شباب حزب المؤتمر الشعبي المشارك في الحكومة والذي يرغب أن يكون التحول من خلال تطبيق مخرجات الحوار الوطني، وبين شباب الحزب الشيوعي وعموم تيار اليسار السوداني الذي لايرى حلا غير إسقاط كل المنظومة الحاكمة، هذا التراشق معطل لأي عملية تسوية أو تحول سياسي، وإن حل الأزمة الحالية يتطلب توافقا خارج جلباب الأيديولوجيا؛ توافق لا يرى إلّا أزمة البلد التي أنهكت المواطن ومؤسساته، وحسب وجهة نظري، أرى حلين يمكن أن يحافظا على ما تبقى من وحدة النسيج السياسي والاجتماعي، ويمكن أن يخرجا البلد من عنق الزجاجة بأقل التكاليف الممكنة.

الحل الأول: أن يعترف حزب المؤتمر الوطني بالمأزق الذي يعيشه بفشله في إدارة الاقتصاد، وأن يتجه لتطبيق مخرجات الحوار التي تتطلب حكومة كفاءات تُدير الأزمة وتدعو للانتخابات عامة بعد ستة أشهر من أدائها اليمين.

الأحزاب القائمة اليوم؛ الحاكمة والمعارضة، ليس لديها برنامج اقتصادي واضح، ومن الأفضل لها أن تتحد ولو لفترة رئاسية واحدة من أجل الوطن الذي تتصارع لحكمه
الأحزاب القائمة اليوم؛ الحاكمة والمعارضة، ليس لديها برنامج اقتصادي واضح، ومن الأفضل لها أن تتحد ولو لفترة رئاسية واحدة من أجل الوطن الذي تتصارع لحكمه

الحل الثاني: أن تلتف كل أطياف المعارضة حول مرشح واحد، وتدفع به لمقارعة حزب المؤتمر الوطني ومرشحه في حال إعادة ترشيح البشير أو ترشيح شخصية أخرى في انتخابات 2020، هذا الالتفاف يكون مبدئيا، والهم الأول فيه هو إنقاذ المواطن من مأزقه الاقتصادي الذي يعيشه بعيدا عن حسابات منطق التخندق الأيديولوجي الذي لا يتقدم خطوة نحو دولة الحقوق والكرامة.

أما منطق اليوم السائد الذي يقوم على مبدأ البناء على ردات الفعل لما يفعله حزب المؤتمر الوطني، هذه جميعها مواقف مزايدات لا أكثر، وكسبها لحظي وليست لها أهداف تقود البلاد للنهوض، وإن الأحزاب القائمة اليوم؛ الحاكمة والمعارضة، ليس لديها برنامج اقتصادي واضح، ومن الأفضل لها أن تتحد ولو لفترة رئاسية واحدة من أجل الوطن الذي تتصارع لحكمه، هذه الفترة تثبّت فيها ركائز دولة الحقوق والحرية، ثم لكل منها أن يطرح ما لديه من برنامج للشعب، ويقدم نفسه ليحكم بمفرده، أما غير ذلك فلا يوجد أي مخرج من هذه الأزمة. فهل تستجيب المعارضة لتطلعات الشعب؟ 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.