لا يستطيع أي مراقب ومتابع للساحة السياسية والفكرية، خلال السنوات التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي، إلا أن يدرك بكل وضوح وجود أزمة كبرى في طريقة تفكير وطريقة تعاطي العديد من قادة وأفراد جماعة الإخوان في الجانب السياسي.
لقد كشفت الأيام المتلاحقة عن أزمة كبرى تعيشها الحركة السياسية الأكبر وزنا في مصر، بداية من تصدرها للمشهد السياسي بعد الثورة خلافا لقرار مجلس شورى الجماعة ثم فشلها في الاتحاد مع أي حزب أو فصيل من فصائل الثورة، كما لم تنجح في اكتشاف الانقلاب رغم التحذيرات المحلية والدولية المتكررة.
ثم اختارت الجماعة مواجهة الانقلاب بمفردها مع فارق القوة الهائل، قبل أن تخرج تماما من المشهد السياسي بعد أن فقدت آلاف القتلى وعشرات الآلاف من المعتقلين والمنفيين والمطاردين وتكتفي بدور المشاهد لما يجري، ولم تقم بأي محاولة جادة لتقييم ما حدث والاستفادة من الأخطاء التي وقعت فيها، وللهروب من لوم الأتباع لم يجد قادة الجماعة مهربا سوى اعتبار الانقلاب ابتلاء من الله وأن الجماعة استنفدت الأسباب في مواجهته وأنها تنتظر الفرج من الله.
أي دعوة تسعى للوصول إلى الحكم في دولة مستبدة غير ديمقراطية تحتاج لأن تمتلك تنظيما قويا، بالإضافة إلى شبكة إعلامية قادرة على التأثير في قطاع كبير من الناس |
وجاءت الانتخابات الرئاسية الثانية بعد الانقلاب لتكشف عن عمق الأزمة داخل الجماعة، التي باتت تفتقد لقيادة واقعية ومحنكة سياسيا، قيادة تستطيع انتشال الجماعة من أزمتها وتعيد لها وحدتها، وتسعى لإصلاح الأخطاء التي ارتكبتها، وفِي مقدمتها ممارسة السياسة دون أدنى معرفة مسبقة بها.
وعندما أعلن رئيس أركان الجيش المصري سامي عنان ترشحه لرئاسة الجمهورية انبرى العشرات من شباب الإخوان عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليعلنوا تمسكهم بالشرعية، ويؤكدوا أن عنان مجرد كومبارس وأن دعمه أو انتخابه يمثل خيانة للثورة واعترافا بشرعية السيسي.
وأصر الكثير من هؤلاء على أن عنان مجرد كومبارس، وعندما أخبرهم البعض بأن عنان يطمح حقا في الظفر بالمنصب الكبير، وأن الرئيس عبد الفتاح السيسي لن يسمح له بالترشح على الإطلاق لم يقتنعوا وتمسكوا بموقفهم. وعندما رفض الجيش ترشح عنان وقام باعتقاله خرج الكثير من هؤلاء ليهاجم عنان ويتهمه بأنه ساذج سقط في الفخ بسهولة، ألم يفكر هؤلاء للحظة كيف يجتمع أن الرجل ساذج وأحمق عندما فكر بمنافسة السيسي، وأنه مجرد كومبارس تقاضى أموالا ليساهم في تجميل صورة الانتخابات الرئاسية.
وبعيدا عن الشباب، فقد خرج يوسف ندى أحد قادة الإخوان المخضرمين ليوجه رسالة لعنان عبر وسائل الإعلام في اليوم الثاني لترشحه، يعرض عليه فيها دعم الجماعة الانتخابي له مقابل شروط ستة في مقدمتها الإفراج عن المعتقلين. ألم يدرك ندى وهو أحد أبرز قادة التنظيم الدولي للإخوان قبل أن يوجه هذه الرسالة أن طاغية مستبدا كالسيسي لن يسمح لأحد مهما كان أن ينافسه على كرسي الرئاسة، ألم يستطع أن ينتظر قليلا حتى يتحول عنان من مرشح محتمل إلى مرشح حقيقي.

إن أزمة جماعة الإخوان المسلمين الحقيقية هي أنها تصر على ممارسة سياسة الدراويش، فهي تُمارس السياسة فقط لأنها تؤمن بشمولية الإسلام وأن السياسة جزء منه، ومع ذلك فهي لم تدرس آليات السياسة وطرائقها ولا حتى انتهلت من معين كتب السياسة والتاريخ، ولا استمعت لنصائح المخلصين من أبناء الجماعة ومحبيها، ولا استفادت مما يكتبه الباحثون في المراكز البحثية التابعة لها.
خلاصة القول إن أي دعوة تسعى للوصول إلى الحكم في دولة مستبدة غير ديمقراطية تحتاج لأن تمتلك تنظيما قويا، بالإضافة إلى شبكة إعلامية قادرة على التأثير في قطاع كبير من الناس، كما تحتاج كذلك إلى حزب سياسي وتنظيم مسلح أو لأفراد تابعين لها في أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية، وهي تحتاج كذلك إلى مصادر مالية كبرى وإلى جهاز أمني لجمع المعلومات، وأخيرا إلى علاقات قوية بالعالم الخارجي.
وعلى مدار أكثر من 90 عاما هي عمر الجماعة لم يسع أي من قادتها لامتلاك تلك الوسائل باستثناء مؤسسها حسن البنا، وبعد وفاته اكتفت الجماعة بتنظيم البنا وشعاراته دون تطبيق عملي لها ولم تسع في أي مرحلة لامتلاك أدوات القوة، فجعلت نفسها هدفا سهلا لبطش قادة العسكر.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.