أَمُسْتَعِد؟ فَلْنَبْدَأْ مَعًا الْآنَ، أَكْبَرُ تِلْكَ الْمَخاطِرِ هي نَفْسُكَ؛ فَأَنْتَ وَحْدَكَ الْقادِرُ عَلى الْهُبوطِ وَالْإِقْلاعِ في ذاتِ الْوَقْتِ، هَلْ تَعْلَمُ كَيْف؟ دَعْني أُخْبِرْكَ، هَلْ لَكَ أَنْ تَتَخَيَّلَ الْخَلايا الَّتي تُحدثُها الْآنَ في دِماغِكَ لِلْقِراءَةِ؟ هِيَ ذاتُها الَّتي تُسَيْطِرُ عَلى جَميعِ ما يَدورُ حَوْلَكَ مِنْ وَقائِعَ وَأَحْداثٍ فَأَنْتَ ذاتُكَ الْقادِرُ عَلى السَّيْطَرَةِ عَلَيْها. فَلا تَدَعْها تَتَحَكَّمْ بِكَ كَما تَشاءُ بَلْ كُنْ أَنْتَ قائِدَها، فَلْتُمْسِكْ بِتِلْكَ الْعُلْبَةِ الْمَليئَةِ بِالفَراشي الْمُلَطَّخَةِ بِالْأَلْوانِ، تِلْكَ الَّتي لَطالَما نَسيتَها عَلى حافَّةِ مَكْتَبِكَ الْمُفَضَّلِ بَعْدَ أَنْ جَعَلَتْكَ الْحَياةُ تَخْتَلِطُ بِجميعِ أَشْكالِ مَشاغِلِها، وَالَّتي تَجْعَلُكَ تَهْرُبُ مِنْ نَفْسِكَ لِتَجِدَ مِنْ نَفْسِكَ نُسْخَة جَديدَةً تُكن لَها كامِلَ الْكُرْهِ لِأَنَّها لا تُشْبِهُكَ!
بَعْدَها دَعْني أُخْبِرْكَ بِأَنَّ مَنْ حَوْلَكَ ما هُوَ سِوى صُوَر مِنَ الْأَحْداثِ، وَالْمَواقِفِ، وَالْأَفْكارِ الَّتي تَمَّ وَضْعُها في طَريقِكَ مُنْذُ أَنْ كُنْتَ مُجَرَّدَ قِطْعَة لَحْمٍ تَمَّ تَجْميعُها مِنْ والِدِكَ وَوالِدَتِكَ لِتُنيرَ لَهُمْ حياتَهُمْ وَتُعْطيها شَكْلًا جَديدا. وَلكِن ما هُوَ أَهَمُّ هو أَهْدافُكَ بَعْدَ نُضجِكَ لِتَتَحَّوَلَ مِنْ مَجْموعَةِ قِطَع مِنَ اللَّحْمِ إِلى طَبَق رَئيسِي فَتَبْدَأَ أَنْتَ بِرَسْمِ الصُّوَرِ بِشَكْلِها النِّهائِيِّ وَالْمُتَكامِلِ وَالْمُلَطَّخِ بِالْأَلْوانِ الَّتي تُفَضِّلُها، وَتَجْعَلَ مِنْكَ طَبَقا رَئيسِيا شِهِيا يوضَعُ في أَفْضَلِ قَوائِمِ الْمَطاعِمِ الْعالَمِيَّةِ؛ تِلْكَ الَّتي تَراها عَلى مَواقِعِ التَّواصُل الاجْتِماعِي في أَكْثَر الْبُلْدان جَمالا. سواء أَكانَ ذلِكَ في إيطالِيا، أَوْ إِسبانِيا، وَرُبَّما كانَ أَبْعَدَ مِنْ ذلِكَ وَهُوَ الْفَضاء! لا تَعْلمُ ما قَدْ يَحْدُثُ! فَلا تَبْخَلْ وَلا تَقْسُ عَلى نَفْسِكَ أَرْجوك!

أَمّا في أَصْعَبِ جُزْء فَسَأُحدثك عَنْ أَكْثَر أَنْواعِ الْمَخاطِرِ خَوْفا، الّتي أَراها تَتَمَحْوَرُ حَوْلَ شَتّى أَفْكارِنا وَأَحْداثِنا حَوْلَها، وَهِيَ "الْكائِنات الْبَشَرِيَّة الْمُتَحَوِّلَة"؛ هذا الْمُسَمّى أُطْلِقُهُ عَلى تِلْكَ الْفِئَة الَّتي تَضجُّ بِوُجودِ الْإِنْسان بِجانِبِكَ، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ ضَرَرا هُوَ ذلِكَ الَّذي يَتَخَيَّل أنّ عَلَيْكَ أَنْ تَكونَ مُنْتَمِيًا إِلى جَماعَتِهِ "أَيْ أَنْ تَكونَ نسْخَة مِنْه"، هُنا عَلَيْكَ أَنْ تَرى أَنْتَ تِلْكَ الْعَلامَةَ الَّتي كُتِبَ عَلَيْها "STOP" في نِهايَةِ طَريقِكَ لِتُخْبِرَكَ بِحَجْمِ الْخَطَرِ الَّذي يَتَواجَدُ مُنْذُ بِدايَةِ حُدوثِ مِثْلِ هذِهِ الْحادِثَة. فَلا تَجْعَلْ مِنْ نَفْسِكَ سِوى نَفْسكَ، لِأَنَّكَ نَفْسُكَ تَحْتاجُ إِلى نَفْسِكَ! هَلْ تَسْتَمِعُ؟ نَفْسُكَ تَحْتاجُ إِلى نَفْسِكَ!
أَعْلَمُ بِأَنَّ الْعالَمَ حالِيا أَصْبَحَ بَيْنَ ثَنايا خَلاياكَ تَدورُ فيهِ كَلِمات وَجُمَل كَثيرَة جَعَلَتكَ تَتَوَقَّفُ عِنْدَها ذاتَ يَوْم لِتعْزِفَ عَلى نَبَضاتِ تِلْكَ الْموسيقى حَدَثا عَظيما لِيُلَقِّنَكَ دَرْسا بِأَنَّهُ ذاتَ يَوْم قَرَّرْتَ بِمَحْضِ إِرادَتِكَ الْاسْتِسْلام لِلَحْظَة السُّقوطِ في الْحُفْرَةِ لِتُثْبِتَ لِلْعالمَ بِأَنَّهُ مُحِق مُنْذ الْبِدايَة، ِوَأَنَّكَ وافَقْتَ عَلى تَوْقيعِ تِلْكَ الْاسْتِمارَة، وَأَنَّكَ لا تَخْتَلِفُ عَنْ غَيْرِكَ في مُحيطِ هذِهِ الْكُرَةِ الْأَرْضِية، فَكلّ ما رُسِم في مُخَيِّلَتِك عَنْها هُوَ أَنَّها دائِرِية وَيُحيطُ بِها عالَم آخَر لا نَعْلَمُ عَنْهُ سِوى أَنَّهُ فَضاء مُتَكَوِّن مِنْ خَليط مِنَ الْمُكَوِّناتِ الْبّرّاقَة أَوْ الدّافِئَة، وَرُبَّما لا تَكونُ سِوى مُجَرَّد جَماد.
سَأَطْلُبُ مِنْكَ هُنا إِعادَةَ ما فاتَكَ مِنْ كَلِمات سابِقَة لِخَوْضِك لِما هُوَ آت، لِأَنَّها رُبَّما تَكونُ هِيَ سَبَب شَتات أَفْكارِك الْمَتَبَقِّيَةَ حَتّى هذِهِ اللَّحْظَةَ. بَعْدَ ما سَمِعْتَهُ وَتَخَللَ خَلاياكَ الْعَصَبِيَّةَ، أَرْجو الآنَ أَنْ تغْمِضَ عَيْنَيْكَ مَعَ إِطْفاء الْموسيقى، دَعْني أَرى خُروج تِلْكَ الشَّرارَةَ مِنْ خَلْف جِفْن عَيْنَيْك فَأَنا أَنْتَظِرُ ضَوْءهُمْ هُنا بَيْنَما أَجْلِسُ في عَتمَة سُقوطي في تِلْكَ الْحُفْرَة الَّتي لَطالَما بَحَثْتُ في ثَنايا أَطْرافِها عَمَّنْ يَجْعَلُ مِنْ أَطْرافها سَلالِم لِصُعودي عالِيا لِأَصِل لِضوءِ النجوم هُناك في الْأَعْلى.
أَنا الْآنَ أُحَدثكَ بَعْدَ أَن امْتَلَأَ جَسَدي بِكافّة أَشْكال الْكَدَماتِ لِوُصولي لِضوء النجوم، وَلكِنْ دَعْني أُخْبرك بِأَني لَمْ أَصِل إلى الْقَمَرِ بَعْدُ، فَقَدْ وَصَلْتُ لِأَحَدِ النُّجومِ الْبَرّاقَةِ الصَّغيرَةِ الَّتي لَم يُمْح بَريقَها مُنْذ أَن كانَت أَعْمارُنا في الصِّغَر تَسْتلْقي عَلى وِشاح مُتَّسِخ بَعْدَ اجْتِماع عَدَد كَبير مِنَ الْعائِلَة لِيُخْبِركَ بِأَنَّ الدِّفْءَ يَبْدَأ مِنْ هُنا. "الْعائِلَة".
العائِلَة… هُوَ عُنْوانها؟!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.