شعار قسم مدونات

بعثرة مشاعر

blogs رجل على تل
 
مُشَوَّش

يُقال: كَلاَمٌ مُشَوَّشٌ: بمعنى كَلاَمٌ غَيْرُ وَاضِحٍ، غَامِضٌ، مُبْهَمٌ. ومُشَوّش الفكر هو: ألّا تلقى نفسك بعد لُقياها، أقرب للحبّ واللّاحبّ، للنّجاح والفشل معا، الطّموح والخيبة في ذات الوقت، الغموض في حضرة الوضوح، واليأس بين أحضان الأمل، والإدبار عند موَاطِن الإقدام.

كثيرا ما أمُر بهذه الحالة من الاضطراب، فإنني مُشَوش حد السماء! فكلما أقبلتُ على أمرٍ هفت إليه نفسي تراني وأنا مقبل عليه بروح وهمة عالية، وما هو إلا وقت قصير حتى تعزف عنه نفسي وأُخرِج ما فيه من فتات العيوب، فتجدني صِرت مشوشا، فلا أنا بالمُقبل ولا بالمُدبر، لا أعلم لما تُطبق عليَ وكيف تتمكن مني دون أن أشعر؟ إلى أن تُباغتني وأنا في عِز توهجي، ربما كانت لها مُقدمات لم أشعر بها! لكنها تتسرب إلى داخل وجداني، وما من مرة حاصرتني إلا وتفكرتُ فيها وعزمتُ على حزمة من قرارات أتخِذُها لأحد منها في المرات المُقبِلة، رغم أنها تبقى مجرد محاولات للأسف!

ولا أظنني الوحيد من يمر بهذه الحالة! فالكثير منا يمر بها ويتفكر ويسعى جاهدا إلى أن يجد لها حلا وتفسيرا لكنها تظل مبهمة، إلا أنني من كثرة تفكُّري وانشغال عقلي بها قد أكون استنتجتُ بعضا من مسبباتها:
 

تدريب النفس وترويضها ليس بالهيّن ومهما اجتهدنا في ذلك تظل في كثير من الأوقات هي المُتحكم الأول فينا

ربما لم نُحقق في حياتنا إلى الآن شيئا يستحق الذكر أو يُرضي طموحنا، أو الخوف من الفشل ومن المجهول، أو لتقصيرنا في واجباتنا، ربما لانقطاعنا عن أورادنا والتقصير في العبادات، أو ربّما لكثرة أوقات الفراغ، وربّما لتعلّقنا بالدّنيا ومغرياتها أكثر، وربّما لتواكلنا وارتكاننا إلى أنفسنا، وربّما كانت نتاجا للأفكار المُبعثرة، والخواطر التي تدور، والقوائم المُنتظرة، والكلمات المكبوتة، والدعوات المرجوة، والذنوب المُخبأة، والأوجاع المُسَكنة، والحنين لِما مضى، والأحلام المؤجلة، والأمنيات التي تبقى مُجرد أمنيات… 

ويُخيل إلي أن عزوف النفس عن أمر ليس دائما لِعلة به، وقد يكون البعض منها كذلك! ولكنني موقن بأن عِلة النفس وعُزوفها عن كثير من الأمور لخلل بداخلها، فهي مفتاح القبول كما أنها مُوصد الأبواب ومِغلاقها، فكم من أمر كانت النفس السبب في رفضه.

وعلى سبيل المثال؛ أمور الخطبة والزواج، فكثير منا يتردد عند الإقدام على هذه الخطوة والكثير من القرارات المصيرية خشية الفشل والإخفاق، والعديد من الأشخاص أصبح هاجس الخوف من الفشل عائقا كبيرا أمامهم، فبعضهم عمره تجاوز الأربعين وإلى الآن ما زال مترددا ومُحجما عن هذه الخطوة؛ رغم أنه يتمنى لو يتخذ هذا القرار كي يُنهي معاناته وتستقر حياته، فالخوف أصابهُ بالتشتت والتردد، وهنا العلة!


علة النفس وليس علة الأمر التي تتمثل بعض الأحيان في الأشخاص أو الماديات الملموسة كعائق، وهناك بعض حالات الزواج والخطبة لم يُكتب لها أن تتمّوأن تكتمل من بدايتها؛ ليس لعوار في الطرف الآخر أو عيب، ولكن جل وأغلب الأمور تنتهي لمجرد عدم ارتياح النفس للطرف الآخر، وهذا وارد. فالخوف من الفشل والمجهول والارتكان إلى الوساوس والهواجس من أكبر العقبات والعوائق التي تقابلنا ولها دور أساسي ومحوري في التأثير على النفس ومُجريات الحياة بشكل بالغ الأثر.

ليس أفضل من غرس مبدأ التوكل في النفس وجعلها تنساب لقدر الله، فاعملوا فكلٌّ مُيسّرٌ لما خُلِق له؛ فيبقى كلّ شيء مجرّد اجتهاد على طريق صلاح الذّات
ليس أفضل من غرس مبدأ التوكل في النفس وجعلها تنساب لقدر الله، فاعملوا فكلٌّ مُيسّرٌ لما خُلِق له؛ فيبقى كلّ شيء مجرّد اجتهاد على طريق صلاح الذّات
 

ولعل إصلاح وصلاح هذا الأمر يكمن بالنفس؛ فتدريبها وترويضها ليس بالهين، ومهما اجتهدنا في ذلك تظل في كثير من الأوقات هي المُتحكم الأول فينا، وهناك الكثير من الدراسات وغيرها قد استفاضت وتداولت فكرة هذا الإصلاح وما أنا بمتخصص بهذا المجال، لكنني أتطرق هنا لعلاج النفس في ذاتها وشفائها من تشتتها وتوجساتها؛ كأن نسعى لتهذيبها قدر المستطاع؛ ففي التهذيب أظن صلاح الأمر كله، وأن نفعل ما علينا تجاهها ومن ثمّ نُسلِّمها لما تمليه علينا الأديان والعلم والفطرة.

وليس أفضل من غرس مبدأ التوكل فيها، وأن نجعلها تنساب لقدر الله، فاعملوا فكلٌّ مُيسَّرٌ لما خُلِق له، وإنه ليس للإنسان إلا ما سعى؛ فيبقى كل شيء مجرد اجتهاد على طريق صلاح الذات والبحث عن العيش بنفس سليمة لا تضغطها الظروف ولا تشتتها المواقف.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إعلان