قوّادون لكن غيورون. نخوتهم تنحصر في ألا يكون سواهم وليا لأمرك. وأمرك بالنسبة لهم لا يتعدّى المتاجرة بك. تصرخين وتندهين لشهامتهم. لكنّ مصالحهم أهمّ من الشهامة. زمن العرب الأوّلين ولّى. لكن اصمتي! لا تكرّري هذه المعلومة لأحد. فعليهم التظاهر قليلا بأنّ الكرامة ما زالت موجودة، يلوّحون بها أمام من يغتصب حقوقك، علّه يدفع أكثر لصمتهم. يصمتون ثم يلتفتون إليكِ يصرخون فيكِ. لا تعرفين لماذا، فالمسرحية مكشوفة، لكن ربّما يحتاجون للتمثيل على أنفسهم، كي يكون أداؤهم أفضل المرّة الأخرى التي يفاوضون فيها على لحمك.
"عدالة عربية".. هذا التعريف يعني أنّك لست موجودة أساسا سوى في عقول حالمين يتمسّكون بفكرتك. والحقيقة المرّة أنّ أغلبهم لا يتمسّك بحلمك إلا عندما يكون مظلوما مقهورا، وينساكِ عندما يصبح هو صاحب القوّة. نفوكِ من أرضهم، ودعوا أتباعهم للتخلّي عنك، والتمسّك بالعدالة الإلهية فقط، تنصرهم يوم القيامة، يوم بعيد جدا عن حاضرهم. بعيد جدا عن طغاتهم. على أرض العرب، العدالة فتنة. وهل يأتي من المؤنّث غير الفتن؟ فتنة هي العدالة في أرض إخوة يتقاتلون على سراب ثم يتصالحون حول طاولة قمار يبيعون عليها قضاياهم. فتنةٌ هي العدالة عندما يَقتُل الجميع باسم الله، ولكل إله مع أنّ الله واحد.
"كرامة عربية".. أعرف كثيرين سيكتمون ضحكتهم هنا خوفا من جرح مشاعر وأوهام الآخرين. أن تكوني كرامة عربية يعني أن تكوني منفصمة الشخصية. تنتفضين حين يجب أن تصمتي وتقبلين بالهوان حين يجب أن تنتفضي. أنتِ معكوسة مقلوبة. عاطفية غير عاقلة. غير مفهومة وغير مبرّرة. تشبهين الصورة النمطية التي يروّجونها عن المرأة العربية، أنّها تصرخ وتولول وتنفعل من دون سبب. ثم عندما تأتي المصيبة تراها صامتة صابرة صامدة.
"امرأة عربية".. هذا التعريف يختصر الكثير من الغضب الذي تشعر به كلّ امرأة عربية تجاه مجتمع منافق يستقوي عليها ثم ينبطح أمام كلّ شيء آخر. مجتمع يترك مصائب الأمّة أجمع لينشغل بخصلة شعرٍ بانت. يزيل كلّ العوائق أمام كلّ محتلّ غاصب، ويضعها جميعا أمام أحلام فتاةٍ صغيرة بالدراسة وبالعمل. مجتمع حصر كرامته بشرف الأنثى كي يبرّر لنفسه انشغاله عن المذلّة التي يعيش فيها يوميا، وجميع حقوقه مغتصبة. فالحقّ مذكّر، لا يُغتصب.. لو فطن قدامى العرب وأنّثوه لربّما انتفض العرب للحقّ الذي يتعرّض يوميا للانتهاكات في بلادهم.
ولو ذكّروا العدالة عوضاً عن تأنيثها لربّما نصرها العرب عوضا عن تحقيرها وتشويهها وقمعها.
لو ذكّروا الهوية لتمسّكوا بها كما يتمسّكون بغرورهم.
لو ذكّروا الكرامة لما باتت أرضا مشاعا لأهوائهم.
ولو ذكّروا القضية لما باعوها في سوق النخاسة…
وحدها المهزلة أتت بالمؤنّث وانتصرت لعروبتها. فلا تجد من يعترض عليها ولا يحاربها… مهزلة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.