من الإمارات أعلن أحمد شفيق عزمه على الترشح لانتخابات الرئاسة في مصر 2018، ثم سافر إلى مصر (أو تم ترحيله)، وبعد حوالي شهر أعلن أن الإنجازات التي رآها رغم التحديات دفعته لتغيير رأيه وتراجعه عن الترشح!! ثم بعد ذلك أعلن حزب مصر العروبة ترشيح سامي عنان للانتخابات دون ظهوره في الصورة، ثم ظهر هو بعد ذلك بأسبوع في بيان مصور يعلن تحديه للسيسي، ووصل لدرجة الهجوم عليه واتهامه بأنه السبب في الحالة المزرية التي وصل إليها الجيش المصري.
بدأ إعلام السيسي فورا في مهاجمة عنان واتهامه بالتواصل مع شباب الثورة، ومقابلة أحمد شفيق وبعض شباب الجمعية الوطنية للتغيير. (كان ذلك في مداخلة هاتفية للصحفي محمد الباز مع المذيع أحمد موسى على قناة صدى البلد) وكان من ضمن ما اتهموه به: أنه مستعد لفتح كل الملفات المتعلقة بفترة حكم المجلس العسكري بعد ثورة يناير إلى تولي الدكتور محمد مرسي رئاسة الجمهورية. كما بدأوا في المقابل الحديث عن إنجازات السيسي خلال فترة عصيبة من عمر مصر، وأهمها: مواجهة الإرهاب. (طبعا لا يشير أحد إلى أن هذا الإرهاب كان محتملا ثم أصبح حقيقة بعد تولي السيسي الحكم).
وعلى الطرف الآخر بدأ كثير من أبناء الثورة والداعمين لفكرة عودة الدكتور محمد مرسي يتخلون عن موقفهم الجامد، ومن ثَمَّ إعلان تأييدهم لسامي عنان من باب المصالح المرجوة من ورائه حال نجاحه، كالإفراج عن المعتقلين، ووقف تنفيذ أحكام الإعدام، وعودة النشاط والحركة لجسد الحياة السياسية المتوقفة منذ انقلاب 2013 إلى يومنا هذا. رغم علمهم بأن المعركة تدور بين المخابرات الحربية والمخابرات العامة (كما ورد في التسريبات التي أذاعتها قناة مكملين مؤخرا)، ورغم أن المُخَلِّص من شرور السيسي لم يَعِدْ أصلا بشيء من هذا!!

إننا لسنا أمام مباراة بين البرازيل وألمانيا في نهائي كأس العالم، بحيث يفرح أنصار الفريق الفائز ويحزن الآخرون ثم ينتهي الموضوع عند هذا الحد، لكننا أمام ما يشبه معركة الانتخابات الأمريكية الأخيرة (هيلاري كلينتون / دونالد ترمب)، حيث لكل منهما سياسته المختلفة عن الآخر في محاربة الإسلام والمسلمين (وكلاهما محارب). وأمر التفكير في المشاركة دعما لعنان من عدمه لا يختلف كثيرا عن سياسة من يفكرون في الانحياز عالميا لأمريكا أو روسيا، وإقليميا للسعودية أو إيران، رغم أن الواقع يقول بأن تفوق أمريكا أو تقدم روسيا ليس فيه أي نفع لنا، ورغم أن السعودية لا تختلف عن إيران في محاربة الحركة الإسلامية!! بما يعني أننا نختار بين طُرُق القتل ولسنا نختار بين القتل من عدمه. وحتى يتمكن هؤلاء من إثبات صحة موقفهم الانهزامي، يجب عليهم أن يجيبوا عن بعض التساؤلات أولا:
1- هل ستكون هناك انتخابات حرة، بحيث يقول الشعب كلمته بكل أريحية، ثُم يتم إعلان النتيجة الحقيقية؟
هل هناك الحد الأدنى من العدالة والنزاهة داخل المؤسسة القضائية التي تشرف على العملية الانتخابية؟ هل هناك فعاليات سياسية وأحزاب قادرة على حشد الجموع وتوجيهها لدعم مرشحها؟ هل هناك منظومة إعلامية توازي إعلام السيسي في مخاطبة الشعب المصري؟
2- هل هناك قوى دولية أو إقليمية تدعم ترشح عنان، ومن ثَمّ ستضغط في اتجاه حصول مراقبة فعلية للعملية الانتخابية؟
لعل أغلب المتابعين للشأن المصري يرون أن الأمور تدار أمريكيًّا صهيونيًّا ومن وراء ذلك سعوديًّا إماراتيًّا، فهل هناك بوادر تشير إلى أن أحد هؤلاء يرغب في تغيير السيسي؟ أو على الأقل عنده رغبة في وجود ديمقراطية في مصر يتنافس ويتصارع فيها العسكر فقط؟ أم أنهم متفقون على بقاء السيسي، لكنهم يلاعبونه ببعض كروتهم على سبيل الابتزاز؟
3- ما هي احتمالات نجاح عنان ووصوله إلى منصب الرئاسة؟
وهل سينفعه إعلان الإخوان دعمهم له أم أن ذلك سيضره؟ وهل سيتجاوب مع مطالبهم أم أنه سيضطر للتبرؤ من الإرهاب والإرهابيين حتى يخفف الحملة الإعلامية ضده، وحتى لا يخسر أنصاره من أعداء وخصوم الحركة الإسلامية؟
بظل هذه الحيرة أختار أن أكون كزيد بن عمرو بن نُفَيْل. حيث تعرض لموقف شبيه لما نمر به اليوم، ووجد نفسه بين أن يأخذ نصيبا من غضب الله أو لعنته، وبين أن يكون على دين الحق، فاختار الثانية |
وهناك سؤال يحيك في صدري ولم يجبني عليه كل من توجهت إليهم به من قيادات دعم الشرعية الموجودة في تركيا: ماذا لو تمت الاستجابة لطلباتكم المتعلقة بالمعتقلين والسماح لكم بهامش من المشاركة السياسية شريطة أن تقفوا بجوار الدولة في مواجهة الإرهاب، وأن تدلوا بمعلوماتكم عن كل من حمل السلاح أو شارك في عمليات ضد الجيش والشرطة خلال الفترة الماضية؟ يعني باختصار: ماذا لو طُلِبَ منكم أن تكونوا في صف الدولة ضد الحركة الجهادية برمتها بما فيها حَسْم وغيرها من الحركات المسلحة التي نشأت وتأسست بعد الانقلاب؟
أما بالنسبة للسؤال البدهي والمنطقي: وما هو الحل من وجهة نظرك؟ والجواب في الحقيقة صعب من فرد مثلي، خاصة بعدما تسببت القيادات الفاشلة في انحدار طموحات الشباب الذي كان يوما يختار بين حازم أبو إسماعيل وخيرت الشاطر (فك الله أسرهما) فأصبح اليوم محتارا بين خالد علي وسامي عنان هربا من جحيم السيسي وزبانيته!! لكني في ظل هذه الحيرة أختار أن أكون كزيد بن عمرو بن نُفَيْل. حيث تعرض لموقف شبيه لما نمر به اليوم، ووجد نفسه بين أن يأخذ نصيبا من غضب الله أو لعنته، وبين أن يكون على دين الحق ولو لم يكن معه أحد -فقد كان ذلك قبل بعثة النبي محمد عليه الصلاة والسلام-؛ فاختار الثانية.
روى البخاري عن عبد الله بن عمر: "أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ، وَيَتْبَعُهُ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ اليَهُودِ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ، فَقَالَ: إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ، فَأَخْبِرْنِي، فَقَالَ: لاَ تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، قَالَ زَيْدٌ مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، وَلاَ أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُهُ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ، قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا، قَالَ زَيْدٌ: وَمَا الحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا، وَلاَ نَصْرَانِيًّا، وَلاَ يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ، فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ النَّصَارَى فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَقَالَ: لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، قَالَ: مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، وَلاَ أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، وَلاَ مِنْ غَضَبِهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ، قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا، قَالَ: وَمَا الحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا، وَلاَ يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ، فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ خَرَجَ، فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْهَدُ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ"

وروى البخاري أيضًا عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: "رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الكَعْبَةِ يَقُولُ: يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ، وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي، وَكَانَ يُحْيِي المَوْءُودَةَ، يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ، لاَ تَقْتُلْهَا، أَنَا أَكْفِيكَ مَئُونَتَهَا، فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لِأَبِيهَا: إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ، وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا" وفي زيادة صحيحة خارج البخاري، قَالَتْ أسماء: وَذَكَرُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ"
حيث إنني في الحقيقة لا أرضى أن ألقى الله وقد دعمتُ أحدًا من هؤلاء يوما، وأنا أعلم ما تُكِنُّه صدورهم من عداء وبغض للحركة الإسلامية، ويكفيني ما رأيته منهم أثناء المرحلة الانتقالية بعد تنحية مبارك، حيث كانوا بحق (ذئاب وثعالب) كما وصفهم البصير حازم أبو إسماعيل، فضلا عن إباء فطرتي أن أكون قد أقمت احتفالا عندما قام الدكتور محمد مرسي بعزل طنطاوي وعنان من قيادة المجلس العسكري، ثم أقيم احتفالا آخر عندما يصل عنان إلى منصب الرئاسة!
والله من وراء القصد
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.