شعار قسم مدونات

العيد القادم حتما

Blogs- egypt
في مثل هذا التوقيت من كل عام من بعد العام الذي قلب العالم، كان من المفترض أن الجميع منهمك باحتفال عيد الثورة بعد أيام، عيد الثورة الحقيقية، وليست خيانة ألبست زي الثورة، كان من المفترض أن تكون شوارع المدن كلها مزينة كليالي العيد، والجدران عبارة عن صور من صنعوا ذاك العيد وأناروا تلك الزينة بدمائهم.
  
وأصوات أغاني الثورة تصدح بكل أرجاء مصر التي عادت محروسة، كان من المفترض أن يكون الجميع مشغولين بتجهيزات عيد الميلاد الجماعي، وصور من أحداث الميدان بكل مكان، والآلاف من شهداء ما بعد الثورة والأسرى والمطاردين كالموج بالشوارع، ويتحدثون للدنيا عن الثورة وما تلاها من مسار إصلاحي بعهد الرئيس مرسي، وما نالوه مما نادت به الثورة وما زال ينتظر تحقيقه للآن، وعن طموحاتهم، بل حتى عن التداول الديمقراطي للسلطة، فلو لم يكن الانقلاب لكانت الانتخابات بصيف 2016، باختصار كنا سنكون جميعنا بمصر وخارجها نترقب العيد القادم بعد أيام.
  
لم أشارك بالثورة لعدم وجودي بمصر، وليس لأني لست مصرية، لكني شاركت الثوار أحلامهم وآمالهم وآلامهم وأيدت مطالبهم منذ اللحظة الأولى، وكان يطرب قلبي على صوت هتافاتهم، ولا أزال أذكر روعة وعظمة الإحساس بتلك الأيام، واعتكافي أمام شاشة التلفاز، وما زلت لليوم احتفظ كذكرى بغلاف قطعة الحلوى التي قدمت لي فرحا بإسقاط الطاغية.
  
لكن كما قلت للأسف، سقط الطاغية رأس النظام ولم يسقط النظام، كأن الفرحة العارمة التي لم نَعهدها بعمرنا أغشت عيون الثوار، ولم يفطنوا إلى أن المعركة بدأت للتو، وأن الأيام التي مضت ما هي إلا كالهجرة والميلاد؛ حدث عظيم لكنه البداية وما بعده الأعظم، فكانوا كمجاهدي يوم أحد، عندما رأوا بوادر النصر تركوا الميدان، ولم ينسوا أن يضعوا بصمة الشعب صاحب النكتة قبل أن يخرجوا فقالوا "حد عنده رئيس مزعله قبل ما نمشي"، ونسوا أن النظام الذي قهرهم وقتلهم طيلة عقود ما زال جاثما على صدورهم، وأنه فقط توارى للظل قليلا ليعيد ترتيب أوراقه ليندفع نحوهم بقوة أكبر فيدمر أكثر، لذلك كان الانقلاب.
  

بعد مرور سبع سنوات على بداية الثورة المستمرة، وأكثر من أربع سنوات ونصف على الانقلاب، تعلم الثوار الكثير من أخطائهم وما زالوا يتعلمون ليصلوا لمرحلة النضج الكامل بالوعي الثوري
بعد مرور سبع سنوات على بداية الثورة المستمرة، وأكثر من أربع سنوات ونصف على الانقلاب، تعلم الثوار الكثير من أخطائهم وما زالوا يتعلمون ليصلوا لمرحلة النضج الكامل بالوعي الثوري
 

كان الانقلاب منذ اللحظة التي تركت فيها قيادة المرحلة الانتقالية للمجلس العسكري، ولأن الثورة كانت خليطا من الأيديولوجيات التي تصارعت على السلطة وضرب بعضها ببعض وتآمر بعضها مع العسكر، وآخرون سلكوا منهجا تصالحيا ولو بحسن نية أو بسبب ضغوط عليهم، وفي محاولة منهم للوصول بالثورة وأهلها لبر الأمان، ولم يدركوا أن يد العسكر ستبطش بهم جميعا وتتخلى عن الجميع تباعا وفي الوقت المناسب لمصالحها، ومن المفترض أن لكل ثورة أدواتها التي تتمايز بها عن أدوات النظام الذي ثارت ضده، ولها رؤية وأيديولوجية هي مرجعيتها ولا مجال للمساومة عليها ولا للتصالح مع أجزاء هيكل النظام الذي لم يسقط سوى رأسه، وإن الذي يجب فعله هو تطهير تلك المؤسسات وإعادة هيكلتها، وثورة يناير لم تكن كذلك، لانعدام الخبرة والتجربة.

   
ولأن الأنظمة الدكتاتورية سندت نفسها بالإعلام المضلل وقمعت كل صوت معارض، وبهذه الحالة لم تكن فئة كبيرة من الشعب تفهم الأحداث وتداعياتها والقرارات المتخذة، ووصفتها بالدكتاتورية الجديدة، فمن حسنات الانقلاب أن جعل فكرة تطهير تلك المؤسسات بالكامل مطلبا شعبيا، ولولاه لرآه الكثيرون استبدادا، لأن الانقلاب قد أحدث ثورة فكرية ونموا للوعي السياسي عند الشعب، برأيي إنه وبرغم كل ما حدث نتيجة الردة عن الحرية، إلا إن الانقلاب كان أكبر نعمة مَنّ الله بِها على مصر والأمة، فبظاهره وبنظرة سطحية هو محنة، لكن عند التعمق بنتائجه والتي بظاهرها كارثية نرى فيها كل المنح.
  
فبرأيي الشخصي، إن الأحداث التي تلت الثورة حتى يوم الانقلاب، كانت توحي بأن حدوث الانقلاب كان أمرا محتما ولكنه مسألة وقت، ولأن إسرائيل والغرب وأمريكا لن يروا كل ما بنوه من أنظمة قمع بالدول العربية وجند احتلال بالوكالة ينهار دون أن يتحركوا، كذلك الدولة العميقة لم تكن لتترك السلطة تضيع منها بسهولة، فالحمد لله أنه حصل ونحن ما زلنا ببداية الطريق وليس بعد أن نكون أعلينا بنيانا غير ذي ركيزة ينهار مع أول هزة أو حالة ارتجاج، ولأن الخسارة حينها كانت ستكون أكبر، ثم إن الدولة العميقة كانت ستظل خنجرا مسموما بظهر الثورة، والرئيس مرسي والمخلصون معه كان يستحيل أن يهدموا كل هذا بقرارات منهم، أو أن يقنعوا الشعب بزيف ما عاش عليه من أمجاد مزعومة لجيش مهزوم لا يمثل أكثر من كلب حراسة لأعداء الأمة، لأن قلة الوعي السياسي عند معظم الشعب كانت سترفض هذا، ولو تحدث المخلصون عن أهمية هذا الفعل قرونا لن يقنعوا الشعب بهذه الضرورة كما أقنعه الانقلاب، ولن يحدثوا هذه النقلة النوعية بوعيه التي مصيرها ثورة فكرية.
  
الثورة لا تهزم لأن الثورة تسكن ضمير من عاشها، وإن لم تحقق انتصارا بحينه فهي تحفر بضمير الشعب، ولا بد أن يستردها، وباختصار فإن التنازل عنها يفوق قدرتنا البشرية، ونسيان الثورة أمر فوق طاقتنا جميعا

وجاء الانقلاب ليهدم كل هذه المنظومة المتوغلة فوق رؤوس أصحابها بأيديهم، وليصنع الأمة على عين الله وبفضله، وينمي الوعي ويهدم رموزا كالأصنام وتاريخ مزيف عشنا عليه عقودا، لأن دون نزع الخنجر وتنقية الصف والاعتراف بالأخطاء وتصحيحها، كل محاولات الإصلاح لن تأتي بفائدة، فالانقلاب منحة وحتى إن تأخر سقوطه منحة، فلو سقط منذ البداية لاقتتل المعسكران وكانت حربا أهلية لا يعلم مداها إلا الله، فتأخر سقوطه ليكشف زيف وتزوير وخيانة عقود، وكشف المنافقين والكاذبين وأدعياء الحرية المنتسبين زورا للثورة، ولينضج الشعب، ومن يرفض أن يصحو من أجل الحق سيتخلى عن الانقلاب وأهله من أجل مصلحة الجيب والبطن.

  
بعد مرور سبع سنوات على بداية الثورة المستمرة، وأكثر من أربع سنوات ونصف على الانقلاب، لقد تعلم الثوار الكثير من أخطائهم وما زالوا يتعلمون، ليصلوا لمرحلة النضج الكامل بالوعي الثوري، وعلينا ألا ننسى أن قادة الثورات المضادة كذلك تعلموا من أخطائهم، فقد كانت الأنظمة خلال أيام الثورة تتعامل معا على أنها مجرد نتيجة قصور أمني، وتتعامل مع المظاهرات على أنها حالات شغب، لكن اليوم بات التعامل معها على أنها معركة وجود وهي كذلك، والانقلاب مستعد لفعل أي شيء ليبقى، وسيضرب بقوة أكثر كلما اقترب من السقوط لأنه يدرك أن سقوط الانقلاب يعني أن تطير رقاب كل من شارك فيه.
  
ولأنه يعلم أن نهضة مصر هي نهضة أمة، ووظيفته كموظف محتل بالوكالة أن يقمع كل أسباب هذه النهضة، لكن الدرس الذي غفل عنه أن الرصاص لا ينهي الثورات، ولم يعِ أنه فقط بجرائمه يضيع وقته ووقتنا، لأن ثورات الشعوب لا تهزم، بإمكانه تعطيلها وتأخيرها لكن يستحيل أن يهزمها، وبصفحات التاريخ حكايات عن ثورات شعبيه طالت سنين حتى انتصرت وتمكنت، والسبع سنوات ليست بالشيء الكثير، بل بالعكس طبيعية جدا، حتى الانقلاب على الثورة حدوثه وارد جدا بدورة حياة الثورات حتى تصل لمرحلة النضج والتمكين.
  
الخلاصة، الثورة لا تهزم لأن الثورة تسكن ضمير من عاشها، وإن لم تحقق انتصارا بحينه فهي تحفر بضمير الشعب، ولا بد أن يستردها، وباختصار فإن التنازل عنها يفوق قدرتنا البشرية، ونسيان الثورة أمر فوق طاقتنا جميعا، لذلك يجيب الاستمرار وتطوير الحراك بشكل واعٍ ومنظم، وإن يكن بصورة مقاومة وليس معارضة، ولكم في 28 يناير أسوة حسنة، والتوحد على مبادئ الثورة التي أهمها التمسك بشرعية الرئيس مرسي، وإسقاط من الاعتبار الصبية مراهقي السياسة وثوار مواقع التواصل والرائدين بمجال إصدار مبادرات خادمة للانقلاب ولطموحهم بنيل شيء ما بكيان هذه ثورة التي لا يعنيهم منها سوى تسخيرها لطموحاتهم بالسلطة، والتركيز على الفئات التي ثبت إخلاصها.
  
والشباب الذي لم يتوانَ عن تقديم كل شيء، لكن تراجع بعضه عندما رأى أن كل ما يقدمه مهدور لعدم التنظيم، وأن يكون المطلب الأول الحرية وليس الأسعار، وحرية أسرى وقصاص وإلغاء اتفاقيات وغيرها لأن هدفنا إسقاط هذا الاحتلال وليس تحسين ظروفه، ولأنه بالحصول على الحرية تلبية باقي المطالب شيء تلقائي، فالحرية أولا والباقي تفاصيل، وبإذن الله لن يطول الوقت حتى يكون وعد الله بنصره للمؤمنين عند توفر أسبابه، ونحتفل بعيدنا جميعا، وكما قال الدكتور محمد الجوادي "سيجعل الثوار العالم يلهث وهو يتابعهم في أعظم وأروع ثورة شهدها التاريخ وغيرت وجه العالم إلى الفضيلة والإسلام والحرية".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.