في 2 يناير عام 1949م، كتب عباس العقاد مقالا عجيبا بجريدة "الأساس" تحت عنوان "الفتنة الإسرائيلية". كال العقاد في مقاله عددا من الاتهامات لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، فتجده يقول مثلا:
– "إن أحدا في مصر لا يعرف من هو جد حسن البنا؟ وكما يقال عنه إنه من المغرب، وأن والده كان ساعاتي، والمعروف أن اليهود في المغرب كثيرون، وأن صناعة الساعات من صناعاتهم المألوفة، وأننا هنا في مصر لا نكاد نعرف ساعاتي كان يعمل بهذه الصناعة قبل جيل واحد من غير اليهود".
– "نظرة إلى ملامح الرجل تعيد النظر طويلا في هذا الموضوع".
– "إننا أمام رجل مجهول الأصل".
– "الفتنة التي ابتليت بها مصر على يد العصابة التي كانت تسمي نفسها بالإخوان المسلمين، هي أقرب الفتن في نظامها إلى دعوات الإسرائيليين والمجوس".
– "أغلب الظن أننا أمام فتنة إسرائيلية في نهجها وأسلوبها، إن لم تكن فتنة إسرائيلية أصيلة في صميم نيتها".
استيقظ – منذ سنوات – الرجل الذي أصبح نائب عنان، ولا يهمني معرفة لماذا استيقظ، ما أعرفه أن الكراهية التي جعلت منهج العقاد "عكاشيا" في لحظة، كفيلة بتحويل أي إنسان إلى "أحمد موسى" |
كلنا نعلم من هو العقاد، ومنهج ومدرسة العقاد، ومع ذلك تجده يتهم البنا بالعمالة للصهيونية، وبالطبع ليس هذا سبب اختلافي مع المقال طالما يملك كاتبه دلائل على ذلك، ما حدث أن العقاد استند في اتهاماته على عدة طرائف مذهلة بناها على أساس أنه "يُقال عن البنا أنه من المغرب"! "ويُقال إن أباه كان يعمل ساعاتي"! وأن "طالما أبوه كان يعمل ساعاتي فهو يهودي بالضرورة"! و"نحن أمام رجل مجهول الأصل في حين أنه يهودي"! وأن "النظر إلى ملامح البنا تجعلنا نعيد النظر في مسألة انتمائه للصهيونية"! "ومن هذا كله تصبح جماعة الإخوان إسرائيلية"!
والآن، هل تعتقد أن عباس العقاد شخص غوغائي؟! كاتب مغمور؟! صحفي معدوم الضمير؟! قلم مأجور؟! له علاقة بعزمي مجاهد؟! صديق مقرب من خالد صلاح؟! إذا.. لماذا سار العقاد في هذا المقال بغير منهج وهو الأستاذ؟ لم أجد سببا لذلك سوى الاستسلام التام للكراهية، والانحياز الأعمى للأيديولوجيا!
تذكرت مقال العقاد عندما وجدت عددا من الأصدقاء، على موقع "فيس بوك"، يعيدون نشر تدوينة قديمة للدكتور حازم حسني، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، الذي اختاره المرشح الرئاسي سامي عنان نائبا له لشؤون الثروة المعرفية والتمكين السياسي والاقتصادي ومتحدثا رسميا باسمه.
يقول نائب عنان، في التدوينة التي تعود إلى سبتمبر 2013: "أنصح الفريق سامي عنان أن يشاهد الفيديو الذي يسجل مراسم تسلمه وسام الجمهورية من الأخ محمد مرسى، وأنصحه أن يركز في مشاهدته على لغة جسده وتعبيرات وجهه لحظة قيامه بأداء التحية العسكرية، فهي لحظة كاشفة لشخصية الرجل ولمدى استحقاقه للمنصب.. هو بالتأكيد لا يصلح رئيسا للجمهورية، ولم يكن يصلح أصلا لمنصب رئيس هيئة الأركان، ولا لتمثيل شرف العسكرية المصرية أو عزتها أو اعتداد قادتها بأنفسهم".
كتب نائب عنان -الذي كان يؤيد السيسي حتى النخاع آنذاك- هذه التدوينة تعليقا على مسألة ترشحه للرئاسة ضد السيسي، التي كانت تشير كل التقديرات وقتها إلى ترشحه لانتخابات الرئاسة برغم نفي المتحدث العسكري هذا الأمر أكثر من مرة، إلى أن قطع السيسي بنفسه الطريق على الجميع ونصّب نفسه رئيسا في منتصف 2014. بالطبع، فتح الجميع النار على نائب عنان، وطالته اتهامات التناقض والنفاق وبيع الذمة، وسيلا من الشتائم التي يمكنك توقعها في مثل هذه المواقف.
حسنًا.. هل تتذكرون ماذا كان يفعل أحمد دومة يوم فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة؟ الناشط الثوري كان يقدم حلقة برنامجه الجديد الأولى، وبذل مجهودا خرافيا وهو يبرر قتل مئات الأشخاص! هل تتذكرون علاء عبد الفتاح وهو يطالب الجيش بفض الميدان؟ هل تتذكرون المواقف المخزية لعلاء الأسواني الذي شبّه السيسي بأيزنهاور؟ يسري فودة؟ محمود سعد؟ وغيرهم كتل بشرية من المؤمنين بالثورة والحرية؟
هل تعتقد أن هؤلاء كانوا أسوياء وهم يفعلون ذلك؟! أم أن شيئا آخر تملك منهم لدرجة العمى، هو نفسه ذلك الشيء الذي تمكن من العقاد وجعله يسير بمنهج الغوغاء وهو الأستاذ! مثلهم تماما، وأكثر، كان الدكتور حازم حسني، الذي يعرفه كثير من الناس الآن بمعارضته الشديدة للسيسي، ولكنه كان "سيسيًا" بامتياز خلال فترة الكراهية المشؤومة التي سبقت وتلت فض رابعة، وكانت له آراء شديدة التخلف والانحطاط، كان شرسا في دفاعه عن الشمولية.
لم أرَ في تدوينة حازم حسني نفاقا، ولا بيع ذمة، ولكنها الكراهية العمياء حينما تتملك شخصا حتى لو كان أستاذًا للعلوم السياسية من المفترض أن يكون له منهجه في الرأي والبحث. ومثلما استيقظ دومة وعبد الفتاح والأسواني وآلاف غيرهم لعشرات الأسباب الشخصية والموضوعية، استيقظ أيضا – منذ سنوات – الرجل الذي أصبح نائب عنان، ولا يهمني معرفة لماذا استيقظ، ما أعرفه هو أن الكراهية التي جعلت منهج العقاد "عكاشيًا" في لحظة، كفيلة بتحويل أي إنسان إلى "أحمد موسى".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.