إن الغوص في الأرقام والإحصاءات لمؤشر البطالة في العالم العربي مهم جدا، بل ويرتقي ويجب أن يكون من أولويات كل نظام عربي. فقوة النظام السياسي تأتي من قوة المجتمع، وقوة المجتمع تعتمد على ثبات عناصره والعيش الرغيد الذي تنعم به العامة. الهدف من هذا البحث إثبات ترهل المجتمعات العربية، وأن "الإرهاب" و"التطرف" من أهم أسبابه البطالة، وطبعا ليست حصرا بها، ومن نتائجه ضعف الأنظمة العربية، والاقتراب نحو دائرة خطرة جدا تهدد مجتمعاتنا وأنظمتنا ودولنا، بل وتاريخنا أيضا.
الأحداث الأخيرة التي حصلت في طرابلس تعكس منطقيا ارتفاع مؤشر البطالة، والطبقة السياسية تتحمل المسؤولية كاملة، خاصة مع انتهاج سياسة عزل المدينة لأسباب تتعلق بالثورة السورية |
تكمن أهمية البحث في الاعتماد على الدراسات التي أجرتها الإدارة الأميركية على سبيل المثال بعد أحداث ١١ أيلول ٢٠٠١، والتي أثبتت بالأرقام والإحصاءات والتحقيقات، أن عامل البطالة هو الدافع الأساسي لالتحاق الشباب العربي بالمنظمات الراديكالية. وقد استعانت الإدارة الأميركية حينها، بقيادة بوش الثاني، بتلك الدراسات التي أوصت بضرورة محاربة آفة البطالة في العالم العربي، كاستراتيجية لاحتواء الإرهاب والتقليل من نسبة المنخرطين في فصائله. هذه الاستراتيجية تقولبت ضمن مجموعة من التوصيات التي اقتربت أن تكون "مشروع الشرق الأوسط الكبير". بالإضافة إلى توصية "دمقرطة العالم العربي"، ومشاركة المرأة في الحكم، والمجتمع المعرفي، أوصت الدراسات على ضرورة دعم الطبقات الفقيرة والمتوسطة بالمال من خلال تسهيل القروض لإنشاء شركات صغرى ومتوسطة، من هدفها التقليل من نسبة البطالة. فاعتمادا على التحقيقات، تبين أن الانخراط في الفصائل الراديكالية يتقدمه العاطل عن العمل.
استنادا إلى إحصاءات رصدها الموقع الرسمي لـ"البنك الدولي" من سلسلة بيانات حول البطالة في العالم، ومستقبل فرص العمل بين الشباب، تبين أن العالم العربي يتصدر الدول التي تعاني من أزمة البطالة، مع وجود تباين في الأرقام بين الدول الخليجية النفطية وباقي الدول. ونشر الموقع دراسة تستند على أرقام "منظّمة العمل الدولية" تبيّن نسب البطالة في العالم، وكيفيّة توزعها على البلدان. تشمل البيانات أرقاما صادرة العام ٢٠١٤، ولم تُحدَّث بعد، لكنها كافية لتعطي صورة عن الواقع، خصوصا في العالم العربي.
تتصدّر ليبيا نسب البطالة مع ٤٨.٩٪، تليها موريتانيا بنسبة ٤٦٪. وفي فلسطين، زادت نسب البطالة خلال العقدين الماضيين ١٩.٩٪، إذ كانت تبلغ ٢٢.٨٪ العام ١٩٩١، وصارت ٤٢.٧٪ في العام ٢٠١٤. وفي مصر زادت نسب البطالة نحو ١٢.٦٪ خلال العقدين الماضيين، إذ ارتفعت النسبة من ٢٩.٤٪ في العام ١٩٩١، لتصير ٤٢٪ في العام ٢٠١٤. كذلك الأمر بالنسبة لسوريا التي زادت فيها نسب البطالة بنحو ١١.٦٪ خلال الفترة الزمنيّة ذاتها. وتعدّ نسب البطالة في ليبيا وموريتانيا ومصر بين الأعلى على صعيد العالم.
أما في قطر، فتكاد البطالة تكون معدومة، ويشكل العاطلون عن العمل ١.٣٪ من نسبة القوى العاملة الشابة. أما في السعودية فإنها تصبح "بطالة طوعية"، لأسباب خارجة عن موضوع البحث، ونسبتها تتراوح بين ٢٦ و٣٠٪ ولكنها بالمحصلة تصب نحو النتائج نفسها للبطالة العادية.

أخذ عيِّنة من العالم العربي، طرابلس – لبنان: في دراسة أعدتها "اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا" (الاسكوا) بالتعاون مع "برنامج الامم المتحدة الإنمائي" ووزارة الشؤون الاجتماعية، عام ٢٠١٥، للبحث في المستويات المعيشية لمدينة طرابلس في لبنان، ظهرت أرقام صادمة عن حجم الفقر والفقراء ونسبة البطالة داخل احياء المدينة وأزقتها.
بحسب دراسة الاسكوا فإن نسبة البطالة بين الشباب الطرابلسي تعدت ٥٠٪، أما ارتفاع هذه النسبة، وقد نستفيد منها في كيفية معالجة المشكلة، فيعود إلى عدة أسباب، الأول دخول العمالة الأجنبية إلى السوق المحلية بأسعار زهيدة، ومنافسة بعض الحرف والتجارات الصغيرة، وثانيا تدني نسبة التوظيف في القطاعات العامة والخاصة إلى أقل من ٣٠٠ فرصة عمل في العام الواحد، وثالثا حجم النزوح من الريف إلى المدن للركوب في موجة تحصيل الشهادات العلمية دون وجود سوق عمل يستوعبهم.
يمكننا أن نستنتج أنه لماذا هذه البؤرة في لبنان يمكنها أن تكون أرضا خصبة لخروج الشباب إلى الفصائل الراديكالية، لولا ارتفاع مؤشر البطالة بين شبابها! الأحداث الأخيرة التي حصلت في طرابلس تعكس منطقيا ارتفاع مؤشر البطالة، والطبقة السياسية تتحمل المسؤولية كاملة، خاصة مع انتهاج سياسة عزل المدينة لأسباب تتعلق بالثورة السورية.
يمكن الاعتماد على الدراسات والتوصيات التي خرجت من مراكز الأبحاث في الدول الغربية للقضاء على البطالة في العالم العربي، ذلك أن ارتفاع مؤشرها أصبح يؤثر على الأمن والسلم الدوليين. فالتوصيات والاقتراحات تخرج من أسباب تفشي هذه الظاهرة الخطيرة، كالحد من دخول اليد العاملة الأجنبية إلى السوق المحلية، ومحاولة إيجاد فرص عمل تكفي للأعداد الكبيرة التي تتخرج من المعاهد والجامعات بمساعدة الأنظمة في الخليج، وتسهيل إنشاء شركات صغرى وكبرى، وتشجيع الزراعة في الأرياف وحماية محصولهم عبر توفير أسواق له، وتشجيع الحرفيين والفنيين، وغيرها طبعا.
لا يمكن الحد من انتشار الفكر المتطرف في المجتمعات العربية دون إيجاد حل لمشكلة البطالة، فمحاربة السبب كفيل بإعطاب هذا المحرك وتجفيف المنابع التي يتغذى منها، خاصة الشباب العاطل عن العمل، وقود محركها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.