مات علي عبدالله صالح وهو يؤدي رقصته الأخيرة ضد جماعة الحوثي التي تحالف معها قرابة ثلاثة أعوام، وترك خلفه علامات استفهام كبيرة تتعلق بمصير القوات العسكرية الموالية له، ومستقبل حزبه الذي يتمتع بأكبر حاضنة شعبية في البلاد على امتداد 35 عاما مثقلة بالأحداث الصاخبة والمتغيرات الجيوسياسية في الساحة اليمنية.
تاريخيا حافظ الحزب على تماسكه أمام مختلف التحديات التي واجهته وظل شامخا في مقدمة الأحزاب السياسية الفاعلة على مسرح الأحداث في البلاد، واستطاع أن يخرج بأقل الخسائر الممكنة من أحداث 2011، العام الذي شهد أبرز التحركات الثورية لإسقاط صالح وكسر هيمنة الحزب على الحياة السياسية، واحتفظ صالح وحزبه بالمال والنفوذ وولاء الجيش، وتنازل عن السلطة شكليا لنائبه هادي وفقا للمبادرة الخليجية حينذاك.
قوة المؤتمر وتماسكه كانت تُعزى إلى التركيبة الداخلية للحزب والتي مزجت بين العامل القبلي، والعامل السياسي، والعسكري، والأهم من هذا أن أيديولوجيا الحزب كانت قومية عروبية، ووفقا لذلك لطالما حقق صالح وحزبه انتصارات برلمانية ساحقة على خصومه طوال سنوات حكمه، خصوصا وأن حنكة صالح وتركيبة الحزب ولوائحه المرنة مكنته من كسب تأييد جماهيري كبير في عموم البلاد.
اليوم وبعد مرور شهر وبضعة أيام على مقتل صالح في أحداث (ديسمبر/كانون الأول) الماضي بالعاصمة صنعاء، لم يعد المؤتمر الشعبي العام قويا، وانقسم إلى عدة تيارات تدعمها قوى محلية وإقليمية متناحرة، تيار صنعاء ويضم ثلة من قيادات الحزب التي لزمت الحياد في المعارك التي دارت بين زعيم الحزب وجماعة الحوثي مطلع (ديسمبر/كانون الأول) الماضي، وهذا التيار نفسه يضم فصيلين، فصيل متواطئ مع جماعة الحوثي وبات موال لها، وفصيل رافض لممارسات الحوثيين ولكنه خاضع للإقامة الجبرية، ويرى محللون وسياسيون أن مؤتمر صنعاء لايمتلك رؤى سياسية لا لمستقبل الحزب ولا للبلاد بشكل عام، باعتباره الجناح الأضعف في تركة الحزب، ويفتقر للتأييد الجماهيري مقارنة ببقية تيارات الحزب، وسيكون مجرد بيدق بيد الحوثيين ولن يكون بوسعه ممارسة أي نشاط سياسي مستقل.
التيار الثاني: مؤتمر أبوظبي وهو تيار يقوده جناح الصقور في المؤتمر الشعبي العام كسلطان البركاني والشجاع، فضلا عن أنه يضم نجل صالح قائد قوات الحرس الجمهوري سابقا، وهذا ماقد يرجح كفة هذا التيار ليصبح الوريث الشرعي والأهم لتركة صالح في حال تمكن من لملمة البيت المؤتمري وقام بتحركات جادة لتفعيل العملية السياسية في البلاد، وحظي هذا التيار بتأييد قوى المؤتمر في بعض المحافظات التي لاتخضع لسيطرة الحوثيين كمأرب، وشبوة وبلا شك لديه أتباع في مناطق سيطرة الحوثيين، ولكنهم لايستطيعون إعلان مواقفهم لأسباب أمنية .
التيار الثالث: هو تيار الرياض الذي يقوده هادي، ويعد الجناح الممثل للقوى المتمسكة بالشرعية الدستورية التي تم بموجبها تنصيب هادي رئيسا للبلاد خلفا لصالح في 2012، قبل أن تؤول الأوضاع لما آلت إليه منذ أواخر 2014، وهذا التيار يبدو عاجزا عن تحقيق أي إنجاز سياسي أو عسكري ضد الحوثيين، يرسم بموجبه معالم مستقبل اليمنيين، فعلى الصعيد السياسي لم يستطع أن ينظم أي اجتماع لقيادات الحزب، ووقف عاجزا أمام العبث الذي تمارسه دولة الإمارات في الجنوب، كإنشائها لمعسكرات وأجهزة أمنية خارج سيطرة الشرعية، ناهيك عن نهبها لثروات أرخبيل سقطرى، وبالتالي فإنه تيار يفتقد للشخصية والقوة معا.
تلك هي الفصائل التي انبثقت من المؤتمر الذي أسسه علي عبدالله صالح، جميعها ساهم في تمزيق بنية الحزب وتفريخه، حتى صالح ذاته كان أبرز المشاركين في ذلك التمزيق، كونه بنى الحزب على أساس وثيقة بالثقل القبلي والجانب المادي، ليناقض الرسالة السياسية لحزب دعا إلى الديموقراطية، والتعدد والتعايش بناء على القانون، كانت هفوات صالح وسياساته في إدارة الحزب من أهم مسببات هذا التشظي العميق في ولاءات الحزب وانتماءاته،الأمر الذي جعل مستقبل الحزب والبلد بات ضبابيا تحفه المخاوف، وتكلؤه رغبة تجار الحروب في تمديد عمر الصراع وتفتيت المفتت في جمهورية اليمن الأليمة.
رغم هذا التفريخ الذي حل بالبيت المؤتمري العتيق إلا إنه ليس بمقدور أحد التنبؤ بمستقبل الحزب وماهية أدواره المستقبلية على الساحة اليمنية، لكن الواضح والملموس فعلا أن الحزب بات أكثر هشاشة وعجزا عن الحفاظ على رؤيته الموحدة وتوجهاته المستقلة، بفعل التشرذم، والتشكيلات المتعددة التي تكونت قبل وبُعيد تصفية زعيمه، وعليه يتوقع أن فصائل المؤتمر ستكون مجرد أدوات جزئية لرؤى وتوجهات سياسية إقليمية ودولية شأنه شأن بقية الفصائل السياسية المتصارعة في أكثر من قطر عربي، مالم يلتئم مجددا تحت قيادة موحدة تعبر عن سياسات وتوجهات الحزب، وتسعى لتجاوز أخطاء الماضي التي انجر وراءها زعيم الحزب، وأفضت إلى مصرعه في لحظة عصيبة على اليمن ككل.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.