(1)
"من عوامل قيام ثورة 23 يوليو 1952، عدم وجود حياة ديمقراطية سليمة، حيث كانت تتصارع الأحزاب من أجل الوصول للحكم".
"الهدف السادس لثورة يوليو: إقامة حياة ديمقراطية سليمة".
هل تتذكر أنك قرأت هذا من قبل؟ ربما لا تسعفك الذاكرة، فكل المعلومات تتطاير من أذهان الطلبة المصريين بعد انطلاق صفارة المراقب معلنا نهاية الامتحان.
حسنا.. اقترض من ابنك أو شقيقك الأصغر أو صديقك أو أي طالب تعرفه في الصف الثالث الإعدادي، كتاب الدراسات الاجتماعية "الترم الثاني" لبضع ثوان، واقرأ الدرس الأول بالوحدة الثالثة، ربما تكتشف أنك كتبت بنفسك ذات يوم في كراسة الإجابة أن الديمقراطية "المكسورة" تتصارع فيها الأحزاب – والعياذ بالله – على الحكم، أما الديمقراطية "السليمة" فهي التي لا أحد يسعى فيها للحكم والرئيس موجود!
(2)
"الديمقراطية ستتحقق خلال 20 أو 25 عامًا"
(عبد الفتاح السيسي لمجلة "جون أفريك" الفرنسية، فبراير 2016، مضيفًا أن "تلك الفترة تعتبر إلى حد ما قصيرة لتحقيق الهدف بشكل كامل")
أخيرًا، يحدد أحد جنرالات الجيش المصري المدة الزمنية التي سكت عنها هدف ثورة يوليو السادس. أخيرا، سيطبق الجيش الديمقراطية عام 2036 أو عام 2041، أي قبل حوالي عقد من ذكرى مائوية ثورة الضباط، وهي بالطبع مدة ليست قصيرة. وإلى أن نحقق هذا الهدف، لابد من إقصاء شفيق، وحبس قنصوة، وتلفيق قضية لخالد علي، وتشويه أي مرشح جاد يتصارع على السلطة، يستاهلوا، للأسف لم يتعلم هؤلاء أن السعي للسلطة ليس من ديمقراطيتنا "السليمة" في شيء!
(3)
استفزت أحزاب وبرلمانات ما قبل 52 الضباط الأحرار، فدفعتهم إلى الثورة لتحقيق الديمقراطية السليمة. هذا ما تقوله المناهج.
فماذا تحقق بعد مرور 66 عاما على الحركة المباركة؟ إليك الخبر التالي:
"ارتفع عدد أعضاء مجلس النواب المصري، الموقعون على استمارة ترشيح السيسي بانتخابات الرئاسة، إلى 516 نائبا، من أصل 596". هكذا، تخلص الضباط من صراع برلمانات الملكية الفاسدة على السلطة، أما الصراع الوحيد الذي سمحوا به فهو الصراع على مبايعة الرئيس.
(4)
قفوا أيها الناس حولي خاتم..
لنصلح سيرة حواء .. نصلح أحفـاد آدم..
سأختار شعبا محبا وصلبا وعذبا..
سأختار أصلحكم للبقاء..
وأنجحكم في الدعاء لطول جلوسي فتيا..
لما فات من دول مزقتها الزوابع!
(خطب الديكتاتور الموزونة – محمود درويش)
(5)
هل انتعشت ذاكرتك بأهداف الحركة المباركة الخمسة الأخرى؟ القضاء على الاستعمار، القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال، القضاء على الإقطاع، إقامة جيش وطني، إقامة عدالة اجتماعية. ما رأيك؟ هل رحل الاستعمار؟ هل قضى الضباط على سيطرة رأس المال؟ هل قضوا على الإقطاع؟ هل أقاموا جيشا وطنيا قويا؟ هل تشعر بالعدالة الاجتماعية؟
نحن لا نعمل إلا عندما نمتلك الخبرات، وبالطبع لن نمتلك الخبرات إلا عندما نعمل، وما زال صديقي لم يحسم إجابة السؤال الذي أرقنا سويا منذ الصغر: البيضة الأول ولا الفرخة؟ |
لا عليك يا عزيزي، الإجابة صعبة، لكن قليل من الإنصاف يقتضي الاعتراف بأن الإنجليز بالفعل رحلوا عن مصر، وأن الضباط قضوا على الإقطاع، وحاولوا تقوية الجيش، وقبل كل ذلك أعادوا توزيع الثروة على الناس بدرجة ما. ثم ماذا؟
ثم أصبحت الإمارات تحدد من يحكم مصر، فتمنع هذا من الترشح وتفرض ذاك بكل السُبل. ثم يقول أحد جنرالات المجلس العسكري صراحة وبلا مواربة إن الجيش المصري جزء من الأمن القومي الأمريكي. ثم يصبح أكثر من نصف المصريين تحت خط الفقر. لماذا حدث كل هذا؟ بل لماذا تحول الضباط إلى حراس للاستعمار والإقطاع والإفقار؟ لأن الشيء الوحيد الذي كان يضمن حدوث عكس ذلك تم وأده مبكرا، نعم.. أسمعك تقول الديمقراطية.
(6)
"الجيش هو المؤسسة الوحيدة التي لا تأخذ من الدولة وتضع في جيوبها"
(عبد الفتاح السيسي – يونيو 2017)
ليس السيسي وحده، أغلب النخبة المصرية تعيد إنتاج مضمون هذه العبارة بمفردات مختلفة من قبيل "عمود الخيمة، قلعة الانضباط الوحيدة، آخر المؤسسات الباقية.." إلخ.
والآن، نتساءل:
– لماذا القوات المسلحة هي "المؤسسة" الوحيدة في البلد؟
=لأنه لا توجد مؤسسات أخرى قوية.
-ولماذا لا توجد مؤسسات أخرى؟
=لأن نظام الحكم العسكري منذ عام 1952 لا يسمح بوجود أي مؤسسات قوية.
-حسنًا.. لماذا يتدخل الجيش في الاقتصاد؟
=لأنه لا توجد مؤسسات صناعية ولا اقتصاديات ناشئة قوية.
-لماذا؟
=لأن القوات المسلحة باتت تحتكر كل شيء، وتتحكم في كافة أنشطة الاقتصاد المصري في ظل انعدام ظروف المنافسة.
-حسنا.. لماذا يحكمنا العسكريون دائما؟
– ليس طمعا، ولكن لا يوجد بديل.
=ولماذا لا يوجد بديل؟
-لأن الحاكم العسكري يحارب أي بديل يسعى لمنافسته.
وهكذا.. نحن لا نعمل إلا عندما نمتلك الخبرات، وبالطبع لن نمتلك الخبرات إلا عندما نعمل، وما زال صديقي لم يحسم إجابة السؤال الذي أرقنا سويا منذ الصغر: البيضة الأول ولا الفرخة؟
(7)
"في ضوء ما يتردد على لسان بعض الشخصيات على وسائل الإعلام المختلفة، والتي تحاول توصيف بيان القيادة العامة للقوات المسلحة على أنه انقلاب عسكري، تؤكد المؤسسة العسكرية على أنها لن تكون طرفا في دائرة السياسة أو الحكم، ولا ترضى أن تخرج عن دورها المرسوم لها في الفكر الديمقراطي الأصيل النابع من إرادة الشعب".
(المتحدث العسكري – 1 يوليو 2013)
يخبرنا المتحدث العسكري أن المؤسسة العسكرية لم تكن طرفا في دائرة الحكم، ودورها لا يخرج عن الفكر الديمقراطي الأصيل -لاحظ لم يقل السليم-، وفي الخلفية يصيح والد كركر: "لم ننقلب عسكريًا، نحن ننفذ إرادة الشعب المصري، حلوة الصيغة دي؟".
(8)
"حريصون على إنشاء دولة ديمقراطية حديثة".
(عبد الفتاح السيسي مخاطبًا رئيس البرلمان الفرنسي – أكتوبر 2017)
كمصري أولًا وكصحفي ثانيا، من حقي أن أسأل المشير: هل تلك الديمقراطية الحديثة ستكون "سليمة" أم لا؟ فنحن فهمنا الدرس جيدا، ولن نقبل بديمقراطية سليمة مرة أخرى، نحن نستحق التغيير، ففي ظل الديمقراطية السليمة كان يتم القبض على المعارضين بتهم قلب نظام الحكم ومحاولة اغتيال الرئيس، أما وأن السلطة تحبسهم الآن بسبب تدويناتهم على فيس بوك، فأقترح على المشير تطوير هدف ثورة يوليو السادس بما يلائم هذا التغيير، ليصبح "إقامة حياة ديمقراطية سليمة أوي، أوي خالص، أوي جدًا".
أرجوك لا تقرأها عزيزي الجنرال بصوت الشاب الظريف الذي وجده عادل إمام في "حمّام الرجال" خلال رحلة بحثه عن "الأستاذ مدحت"، في فيلم "الإرهاب والكباب"!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.