شعار قسم مدونات

التوجه القطري نحو أفريقيا.. ماذا يريد الأفارقة من العرب؟

blogs زيارة الأمير تميم بن حمد لمالي

تسِمُ الجولة التي قام بها سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر إلى غرب أفريقيا في الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر المنصرم، والتي شملت عدداً من الدول، ابتداءً من السنغال وتخللها توقيع اتفاقيات اقتصادية شملت مختلف المجالات، مرحلة جديدة في العلاقات العربية الأفريقية. وبما أن الجولة لا تشكل الخطوة الأولى للوجود القطري في إفريقيا باعتبار أن الاستثمارات القطرية موجودة بالفعل في عدد من الدول الأفريقية، فإنها تشكل توجهاً جديداً يسِم المرحلة الجديدة للعلاقات العربية الأفريقية عموماً والقطرية الأفريقية بصفة خاصة، في غياب المشروع العربي نتيجة الصراعات العربية العربية.

 

لم تعرف أفريقيا الرسمية عن العرب خلال العقود الماضية إلا المنظمات الخيرية الإسلامية التي تعمل في مجال الإغاثة والعمل الإنساني بصفة عامة. وقد ظل الدخول العربي إلى إفريقيا خلال العقود الماضية محصوراً في إطار العمل الإنساني المنزوي غالباً في الأحياء الفقيرة، والذي قد لا تحس به الجهات الرسمية إلا عندما يطلب منها استخراج التصريحات الرسمية..

 

والسبب في ذلك أن هذا العمل الإنساني هو في الغالب نتيجة جهود فردية، ليست وراءه أي جهة رسمية لتوجهه وفق خطة إسترتيجية ضمن مشروع وطني.. ويبقى الاستثناء في ذلك ربما مشروعات البنك الإسلامي للتنمية بجدة، التي شملت مختلف المجالات. ولكن هذه المشروعات لم تكن موجهة بصورة تخدم العلاقات العربية الأفريقية، على غرار المؤسسات الغربية الموجهة رسمياً والتي تعمل وفق الخطط الإستراتيجية لدولها؛ وبالتالي تمثل مصادر معلومات أساسية لتلك الدول وتنفذ ما يليها من الخطط الإستراتيجية لدولها ومشروعاتها الوطنية.

 

استطاعت قطر عبر قناة
استطاعت قطر عبر قناة "الجزيرة" بناء علاقات إستراتيجية متينة وشراكات إعلامية مع كبريات المؤسسات الإعلامية العالمية والمؤسسات الدولية للتغلب على تداعيات الحصار المفروض عليها
 

لم يعرف الاستثمار العربي طريقه إلى إفريقيا لأن الاستثمار العربي نفسه لا يتحرك بتوجيه من الدولة وفق إستراتيجية محددة. والمستثمرون العرب هم في الغالب إما أفراد داخل النخب الحاكمة أو مرتبطة بالنخب الحاكمة، ولا يتحركون بتوجيه من الدولة وإنما وفق تقديرهم الخاص. لذلك فإن رأس المال العربي خلال عهد ما بعد الاستعمار اتجه إلى الغرب بحثاً عن بيئات آمِنة لأن "رأس المال جبان"، كما يقال.

 

ما يميز المشروع الوطني القطري أنه متكامل ولا يقتصر على الاقتصاد، بل يشمل أيضاً الإعلام والاجتماع والعلاقات الدبلوماسية والعمل الإنساني وغيرها. وليس أدل على ذلك من النفوذ القطري الناعم المتعاظم وفق مشروعها الوطني عبر فضائية "الجزيرة"، التي وضعت العرب في منتصف الخارطة العالمية.

 

وقد استطاعت قطر، عبر قناة "الجزيرة" بناء علاقات إستراتيجية متينة وشراكات إعلامية مع كبريات المؤسسات الإعلامية العالمية والمؤسسات الدولية، ما مكنها من التغلب على تداعيات الحصار المفروض عليها من جاراتها من ناحية، وتمكينها من توسيع استثماراتها على مستوى العالم من ناحية أخرى. من مميزات المشروع الوطني القطري أيضاً سعة الأفق، إذ يحتضن كل التيارات الفكرية القومية والسلفية والإخوانية والصوفية والشيعية والليبرالية واليسارية، باعتبارها جميعاً جزءا من المكون العربي القومي الإسلام؛  وبالتالي فهو مشروع قومي عروبي بامتياز.

 

هناك توجه جديد في أفريقيا يتواءم تماماً مع المشروع القطري، وهو سعي الأفارقة، عبر الاتحاد الأفريقي، إلى بناء شراكات على أساس المصالح المشتركة ورفض أي شكل من أشكال الوصاية. وقد تجلى ذلك إبان أزمة الخليج عندما قرر الاتحاد الأفريقي اتخاذ موقف محايد ودعم الوساطة الكويتية، بينما مارست الدول المحاصرة لقطر الضغط على الدول الأفريقية لتأييد موقفها باستخدام مختلف الأساليب التي لم تعد تنفع مع الأفارقة.

 

مع صعود التوجه الديمقراطي في أفريقيا وارتفاع نسبة الوعي السياسي على مستوى الشعوب والأنظمة ازدادت رغبة الأفارقة وتطلعهم إلى البديل المناسب، ومن هنا لقي دخول الصين في المجال الإفريقي ترحيباً حاراً

وقد مُني عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، بفشل ذريع عندما طار إلى أديس أبابا يوم 4 يوليو للقاء القادة الأفارقة ولم تستجب له الدول التي التقى بها. وقد حاول قبله وزيرُ الخارجية المصري فأصيب بإحباط جعله يغادر الاجتماع قبل اختتامه.. إن قطر لا تريد من الدول الأفريقية غير الحياد، بينما يمارس خصومها ضغوطاً هائلة وابتزازاً واضحاً من أجل استقطاب الدعم لمواقفهم، وبالتالي فإن الأفارقة إجمالاً أكثر ميلاً إلى العلاقات التي لا يشوبها ابتزاز أو تهديد من أي نوع.

 

يأتي هذا التوجه القطري نحو أفريقيا ضمن هذا المشروع الوطني القومي، ما يجعله مختلفاً عن المقاربات السابقة في العلاقات العربية الأفريقية والأوروبية الأمريكية الأفريقية، التي يشوبها دائماً الميراث الاستعماري وتقوم دوما على الاستغلال، وليس الندية. وقد يقول قائل إن أفريقيا تتلقى دعماً "سخياً" من أوربا وأمريكا، وقد يرد آخر بأن الغرب عموماً يأخذ من الشبّاك أضعاف ما يقدم في الباب.

 

والقادة الأفارقة على وعي بهذه الحقيقة، ما جعلهم يتطلعون إلى قوى صاعدة يقيمون معها علاقات حقيقية تقوم على الاحترام المتبادَل والمصالح المشتركة بعيداً عن الاستغلال والتلويح بالعصا والجزرة. ومع صعود التوجه الديمقراطي في أفريقيا وارتفاع نسبة الوعي السياسي على مستوى الشعوب والأنظمة ازدادت رغبة الأفارقة وتطلعهم إلى البديل المناسب، ومن هنا لقي دخول الصين في المجال الإفريقي ترحيباً حاراً لسببين اثنين: الأول أن الصين لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول؛ وثانياً أنه ليس للصين أي ميراث استعماري في أفريقيا. إنّ العرب أَولى بأفرقيا من الصين بحكم الجوار، وباعتبار العلاقات التاريخية بين الطرفين، والخالية تماماً من أي صورة من صور الاستغلال.

 

إذن، فالمشروع القطري العربي الإسلامي كفيل بتلبية تطلعات أفريقيا نحو الشراكة القائمة على الاحترام المتبادل، لتحقيق المصالح المشتركة، إلى حين إفاقة العرب من غفوتهم وإدراكهم أن العالم لم يعد دولاً فردية وإنما هو كتل اقتصادية تعاضد بعضها البعض.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إعلان