"من المستحيل أن تضع هذا الثنائي جنبا لجنب في الملعب، الفريق سيكون مكشوفا بالدفاع، ولن ينجح أبدا أمام الكبار"، قالت الأسطورة أن تشافي وإنييستا من الصعب أن يلعبا في منطقة الوسط، خلال بداية حقبة بارسا غوارديولا، بالتحديد مطلع موسم 2008-2009. تشافي وتوريه أو بوسكيتس في الارتكاز ومعهما لاعب ثالث قوي في التحولات، كسيدو كايتا على سبيل المثال، بينما إنييستا يجب أن يلعب كجناح أيسر رفقة ميسي وإيتو، خصوصا مع الحالة البدنية السيئة لتيري هنري في تلك الأيام.
مرت المباريات وعاد الغزال الفرنسي بالتدريج إلى مستواه، ليطلب الخانة الأساسية عن جدارة واستحقاق، كل هذه الأحداث طبيعية ومتوقعة، لكن ما بعد ذلك جاء عكس التيار، لأن القصير الصغير إنييستا لعب بجوار القزم المكير تشافي في الوسط، ليسيطر برشلونة على الأجواء محليا وقاريا وعالميا، وتصنع هذه الخلطة أسطورة خط الوسط في التاريخ الحديث.
الانطباعات الأولى لا تدوم في كرة القدم، يمكنك تصور فكرة ما والقتال من أجلها، لكن ربما التنفيذ الفعلي يجبرك على تغيير وجهة نظرك فيما بعد، وليس المراد أبدا من المقدمة السابقة الحديث عن إمكانية لعب كوتينيو وإنييستا معا في خط الوسط، لكن ما أقتنع به فعليا أن الجزم بنجاح أو فشل خطة ما بمجرد إعلان التوقيع مع النجم الجديد، مجرد حبر على ورق، لأن 1+1 لا يساوي بالضرورة 2، وفق قوانين التكتيك.
كوتينيو صانع لعب استثنائي، قوي جدا في المراوغة والحيازة وتبادل الكرات مع زملائه في أضيق الفراغات، لا يقل أبدا في هذا الشق عن ميسي ونيمار وإيسكو وأقرانهم، ويجيد اللعب في أنصاف المسافات على اليسار، كنصف جناح ونصف لاعب وسط في آن واحد، مع براعة واضحة في الاختراق الطولي تجاه منطقة الجزاء، لأنه لا يهاب الدفاعات المتكتلة، ويجيد تسجيل الأهداف بنفسه عن طريق التسديدات البعيدة، بالإضافة لتحركه المثالي في وبين الخطوط خلف ضغط الخصوم.
في المقابل، فيليب مثل معظم اللاتينيين، لا يهتم بالدفاع مثل غيره، ولديه مزاجية قد تؤثر على فريقه بالسلب في بعض الأحيان، بالإضافة لضعف الشق الدفاعي مقارنة بآخرين يلعبون في مركزه، دون نسيان تطوره في الضغط على دفاعات الخصوم، وافتكاك الكرات في مناطق خطيرة، خصوصا بعد قيادة كلوب لفريق ليفربول، أي إنه يتفاعل بالإيجاب مع مدربيه، والدليل تحسن أرقامه الدفاعية مع يورغن وتيتي البرازيلي في الآونة الأخيرة.
كيف ستكون الخطة؟ وأين سيلعب كوتينيو؟ أسئلة تشاهدها في كل مكان بعد الإعلان الرسمي، والإجابة مفتوحة لكل الآراء. يستطيع فالفيردي اللعب بإنييستا في دوري الأبطال، بينما يحصل الوافد الجديد على دور رئيسي في مباريات الليغا، مما يعطي المدرب خيارات أكبر، ويساهم في إراحة مفاتيح اللعب قبل مواجهات الحسم. هذا هو الحل السهل، لكن ماذا عن لعب الثنائي إنييستا وكوتينيو معا؟
لا يوجد تشافي آخر ولا دوبلير إنييستا، ولا حتى 4-3-3 بارسا غوارديولا بتفاصيلها بسلطاتها ببابا غنوجها، لذلك أجد المطالبات بالتعاقد مع لاعب يشبه تشافي أو قريب من منه، أمور تجاوزها الزمن |
في حالة الحفاظ على النسق الحالي 4-4-2، بتواجد ميسي كمهاجم قريب من سواريز، فإن كوتينيو سيحصل على مركز باولينيو، صانع اللعب في المركز 10 أمام لاعب الارتكاز الدفاعي وبين ثنائي الوسط، وخلف لاعبي الهجوم خارج منطقة الجزاء. يعود للخلف ليُكمل رباعي المنتصف، ويصعد للأمام بالتبادل مع ميسي، ويتحرك من دون الكرة لغلق زوايا التمرير يمينا ويسارا أمام بناء المنافس من الخلف.
يعود أيضا رسم 4-3-3 إلى الواجهة، كوتينيو يسارا وديمبلي يمينا مع ميسي كمهاجم وهمي، والإبقاء على لاعبي الارتكاز دون تغيير، مع إراحة سواريز على الدكة، وحتى مع دخول الأوروغواني، يستطيع البرازيلي اللعب يمينا بالتبادل مع الفرنسي الصغير. وفي تصوري الشخصي، لا مانع من تواجد كوتينيو وإنييستا في الوسط معا أمام بوسكيتس، لكن في حالة واحدة فقط، عند تواجد ديمبلي على اليمين كجناح كلاسيكي على الخط، حتى يعود للتغطية في الحالة الدفاعية، ويلعب أندريس فقط في العمق على مقربة من كوتينيو، دون الحاجة للذهاب إلى الطرف لمساعدة الظهير، لأن الجناح الأساسي هو من يقوم بذلك.
بعد كل هذا الشرح الخططي، يؤسفني إبلاغك يا صديقي أنها تفاصيل أقل أهمية من قصص أخرى أهم، فإرنستو فالفيردي أصر على جلب كوتينيو، حتى يعطيه صفة "اللا توقع"، بكثرة الخيارات التكتيكية المتاحة أمامه قبل كل مباراة، مع توفير محطة أخرى للاستلام والتسليم داخل أماكن ضغط المنافس وبين دفاعاته، فميسي فقط من يجيد هذه الأدوار المعقدة الآن، بعد كبر سن إنييستا وقلة سرعته بالكرة ومن دونها، مع التأكيد على تفهم المدرب لقواعد اللعبة جيدا، ومعرفته بأنه كلما وفر الفراغ لميسي، كلما حصل على فرصة أكبر لكسر خصومه، عن طريق تحركات ديمبلي وغيره يمينا، وشغل كوتينيو للأنظار يسارا، وهذا هو المطلوب إثباته.
علينا التسليم بأنه لا يوجد تشافي آخر ولا دوبلير إنييستا، ولا حتى 4-3-3 بارسا غوارديولا بتفاصيلها بسلطاتها ببابا غنوجها، لذلك أجد المطالبات بالتعاقد مع لاعب يشبه تشافي أو قريب منه، أمور تجاوزها الزمن وتخطت حدود المنطقية. فقط السبب الوحيد الذي يجعل البارسا مجبرا على ضم وسط جديد، هو بقاء راكيتتش بهذا الفقر في الابتكار، ليتم تعويضه بآخر، ليس شبيه تشافي ولكن عوضا عن انخفاض مستوى الكرواتي، لا أكثر ولا أقل.
حسنا فعلت الإدارة ولأول مرة منذ سنوات، بالإصرار على ضم كوتينيو ليلعب مع إنييستا، لأنه يحتاج إلى الاستفادة من خبرة وقدرة الإسباني عن قرب، في فهم ثقافة برشلونة المغايرة، ومن أجل الابتعاد عن فخ المقارنات السخيفة بينهما، ليبقى كل شيء في النهاية داخل رأس فالفيردي، الرجل الذي ضرب بكل توقعاتنا عرض الحائط في الصيف، حينما تحدثنا عن ديمبلي كمعوض لنيمار على اليسار، لكنه لعب على اليمين مع رسم مغاير وفكرة جديدة تماما.
لاعب ليفربول السابق مدافع ضعيف، لا يدافع من الأساس، أضعف من غيره بدنيا، كل هذه الانتقادات مشروعة وممكنة ومطروحة، لكنها ليست الإجابة على الإطلاق التي تخص ورقة أسئلة برشلونة، لأن المنظومة بالكامل هي المراد، سواء لعبت 4-3-3 أو 4-4-2. الدفاع بالكرة هو الحل، تقليل الفراغات أمام منافسك، وتقارب المسافات بين لاعبيك، أن تهاجم وتدافع كوحدة واحدة، ألا تترك الكرة للغير إلا في أضيق الظروف، وهذه الشروط غير قابلة للنجاح أو الفشل بضم نجم وترك آخر، بل بضرورة تعديل فالفيردي لبعض أوراقه، حتى مع توالي الانتصارات الحالية.
"الدفاع يعني؛ ما هي المساحة التي تدافع فيها؟ إذا كنت تدافع خلال مساحة تسع حديقة، أنت الأسوأ، وإذا كنت تدافع خلال مساحة ضيقة للغاية، أنت الأفضل، كل شيء يدور حول الأمتار، الفراغات وكيفية التحكم فيها"، يوهان كرويف.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.