شعار قسم مدونات

ترمب بين الساخرين منه والساخر منهم

Blogs- trump
قد لا يختلف الكثيرون على أن وسائل الإعلام قد لعبت دورا هاما وحيويا في نشر الصورة أينما كانت وأينما حلت، وجعلت شخصيات كثيرة هدفا لتلك الشاشات إما إيجابا أو نقدا أو حتى مجالا ومادة دسمة للسخرية. بدأ ظهور ترمب كشخصية محبة للشاشة، فكوريث لوالده وثروته الضخمة لطالما كان محط أنظار وهو الأمر الذي رحب به دونلد ترمب هو الآخر ولم يبد نحوه اعتراضا، ليبدأ ظهوره التلفزيوني منذ بدايات الثمانينيات بشكل ملحوظ ويستمر تصاعديا مع الأزمات الاقتصادية التي عصفت به وبشركاته. كغيرها من الشركات الضخمة الأمر الذي جعل دونالد ترمب ومجموعة شركاته واستثماراته على حافة الانهيار والإفلاس حرفيا. 
 
ظهر ترمب في إحدى تلك المقابلات مع المذيعة الأمريكية الشهيرة أوبرا وينفري معلنا فيها عدم نيته الترشح للرئاسة،ولكنه يعلن استياءه من ذلك الوضع الذي تعيش فيه الولايات المتحدة الأمريكية معلنا أنها تعطي أكثر مما تأخذ، وأنها تتعرض للاستغلال من قبل شرائكها وحلفائها الأوربيين أو العرب في الشرق الأوسط، وأنه سيغير ذلك إن هو ترشح للرئاسة يوما، لتعقب عليه أوبرا مستفسرة عن يقينه بالفوز إذا اقدم على تلك الخطوة، فيرد بأنه يعتقد أن لديه فرصة كبيرة في ذلك، فهو، كما يقول، لا يدخل أي منافسة ليخسر. كان ذلك اللقاء في عام 1988 وبعد 26 عاما من ذلك اللقاء تحولت كل تلك السخرية والتهكم الذي صاحب خططه الرئاسية إلى واقع في عام 2016 معلنا نيته الترشح للرئاسة، وتتعالى معها نبرة ووتيرة تلك الحملات من السخرية كلما تعالت طموحاته السياسية والرئاسية، معقبين على عدم جدية تلك المطامع ومتخذين من مشروعه الانتخابي مادة دسمة للسخرية. 
 
ليحل  الـ 20 من يناير من عام 2017 ويتحول الأمر الذي كان مدعاة للسخرية بالأمس إلى حقيقة واقعة نافذة ملزمة لا مفر ولا مناص منها، ويسبب ربما صدمة للبعض ورعبا لآخرين، خاصة أنه خاض ذلك السباق الرئاسي مع منافسة تعتبر من العيار الثقيل في السلك السياسي والدبلوماسي في الولايات المتحدة الأمريكية، لتتحول الضحكات التي كانت تعلو الوجوه إلى وجوه تعتريها حالة من الصدمة وعدم التصديق، خصوصا في أيامه الاخيرة وتسرب الرئاسة من بين أيدي هيلاري ليتلقفها ترمب ويُنصب  الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية.
 

بعد زيارة ترمب للشرق الأوسط غرد قائلاً
بعد زيارة ترمب للشرق الأوسط غرد قائلاً "عدت توا من الشرق الأوسط بملايين الدولارات الشيء الذي يعني وظائف بعد صفقات السلاح التاريخية التي عقدتها والتي تعتبر الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية"!
 

فوز ترمب جعل الكثيرين ممن دعموا منافسته كلينتون في وضع أكثر حرجا، فترمب أعلنها واضحة في حملته الرئاسية وإن كانت مادة للسخرية إلا أنه كان يبدو عازما على تنفيذ وعوده مهما كانت تبدو غريبة، وكلما زاد البعض هجومه عليها كلما زاد ترمب تمسكا بها، وفي رحلة بسيطة بين شبكات الإعلام الأمريكية التي لطالما كانت تخدم أجندات وأغراض أمريكية بحتة لتتحول من حليف الأمس الى عدو اليوم للرئيس الجديد، الذي ما كانت تأتيه الفرصة حتى يصنع عدوا جديدا لتتعالى حرب كلامية بين القنوات الأمريكية والرئيس المنتخب، ما جعل الرئيس الامريكي الجديد مادة دسمة وجاذبة لفقراتها المختلفة من برامج الحوار والأخبار والكاريكاتير.
 
سخرية عززها بتغريداته الغريبة وتعليقاته المتوسلة للانتباه والتي دائما ما كانت تضع السلك السياسي والوزراء في حالة من الحرج الشديد، فما أن يعلق على موضوع حتى يناقضه في تغريدة، وتتربص وسائل الإعلام بهفواته الدبلوماسية وخطاباته غير المنطقية وتغريداته التي تتسم بالعنجهية وتتغنى بها  خلال برامجها المختلفة، ويفتح ترمب مجالا جديدا لموجة جديدة من البرامج والفقرات التلفزيونة وحتى في مجالات كالكتابة، فأثرى المكتبات الأمريكية والأجنبية بمجوعة من الكتب يتحدث بعضها عن قصة صعوده وبعضها الآخر انبرى لتحليل تصرفاته وأفعاله بل حتى انبرى بعضها لتحليل شخصيته تحليلا نفسيا مرضيا يغوص في دواخل شخصيته، محاولا ربط بعض الأفعال والتصرفات وتفسيرها. 
 
وبرغم ما تتحلى به تلك البرامج من عدم الجدية وطغيان اللون الكوميدي عليها، إلا أنها كشفت لنا ولغيرنا الكثير من الأمور التي وإن كانت مضحكة في جزئها الأول  فهي قاسية مؤلمة في جزئها الآخر، فبرغم اعتبار البعض أنها حملات دعائية من أجل الوصول إلى الرئاسة لا أكثر، كما كان يعتقد البعض، حتى أصبحت الواحدة تلو الأخرى تتحول إلى حقيقة واقعة، فما أن استكان ترمب واستوت له الأمور في البيت الأبيض حتى بدأت الدنيا تهيج وتموج من حوله، وكلما استوى على عرشها ازدادت الدائرة اتساعا، فغلت شوارع مدن أمريكية منذ أيامه الأولى، في صورة ربما عهدناها كثيرا في بلداننا العربية ولكنها كانت صورة نادرة وجديدة لم تحدث ولو لوقت قريب مثيلاتها في الولايات المتحدة، وما كادت تستكين الأمور حتى أشعلها مجددا بحظر دخول المسلمين من عدد من الدول ذات الديانة الاسلامية، فهاجت الأوساط الإعلامية وماجت وتحولت الإسلاموفوبيا التي كانت شعاراته وخطبه تطفح بها لتأتي بنتيجة عكسية، فيصلي المسلمون وربما لأول مرة بصورة علنية في المطارات الأمريكية تتبعهم هتافات المشاهدين والرافضين للقرار. 

حلق  ترمب بعدها في زيارة إلى الشرق الأوسط ليعود مغردا: "عدت توا من الشرق الأوسط بملايين الدولارات الشيء الذي يعني وظائف وظائف وظائف بعد صفقات السلاح التاريخية" التي عقدها والتي تعتبر الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ليحلق بعدها الى تل أبيب ويشعل موجة أخرى من السخرية طالبا من نتنياهو على العلن الحد من الاستيطان قليلا، ومضيفا "سنجد حلا" ليبدو نتنياهو نفسه مصدوما تعتري وجهه علامات الغرابة. 

 

سخرية اختتمها كتاب نشره الصحفي
سخرية اختتمها كتاب نشره الصحفي "مايكل وولف" باسم نار وغضب ينقل فيه بعض آراء المحيطين بترمب ككبير مستشاريه السابق "ستيف بانون" يقول فيه إن ترمب جبان وغير مستقر وعديم الخبرة
 

ثم تتبعها الرحلات الواحدة تلو الأخرى، والتي غالبا ما أن تنتهي حتى يعلق عليها بتغريدة كالتي غردها بعد عودته من زيارته إلى أوربا معلقا "لقد عدت للتو من أوروبا، نجاح كبير لأمريكا عمل كبير ونتائج مذهلة" لتخرج بعدها رئيسة الوزراء الألمانية انجيلا ميركل مخاطبة اعضاء الاتحاد الأوروبي أنه كما يبدو فقد حان الوقت لأوربا للاعتماد على نفسها وعدم الاعتماد على أي جهة خارجية في صورة من مخجلة من التناقض. 
 
رحلات ولقاءات وتعليقات وتغريدات التي ما إن تظهر إحداها للعلن حتى تثير ضجة عارمة بين السخرية والنقد فتعلن أمريكا انسحابها من اتفاقية باريس للمناخ، معللا بأنه لن يجعل من الأمريكيين سخرية لغيرهم، ولتتصاعد نبراته وتهديداته وتبلغ أقصاها ويقدم على فعل ما لم يقم بفعله رئيس قبله وظل الرؤساء الواحد تلو الآخر منذ عام 1995 إلى أن قام بها ترمب في فعل كان يعتبره الكثيرون ضربا من الجنون ولكنه فعلها بل وهدد من يعارضه في أسلوب مهين للدوبلوماسية الأمريكية ولغيرها، وأخيرا أقدم على خفض المساعدات الأمريكية للأمم المتحدة وهو ما كان هدد به قبل أيام. 
 
سخرية اختتمها قبل أيام كتاب نشره الصحفي مايكل وولف باسم نار وغضب ينقل فيه بعض آراء العاملين في البيت الأبيض والمحيطين بترمب ككبير مستشاريه السابق ستيف بانون، يقول فيه إن ترمب جبان وغير مستقر وعديم الخبرة، بالإضافة إلى كثير من المواقف التي اتخذها الإعلام الأمريكي مادة جديدة كتناول ترمب لطعامه في ماكدونالدز خوفا من تسميمه أو سخرية ابنته منه ومن تسريحة شعره وإساءته للطاقم العامل في البيت الأبيض، كتاب سبب غضبا لترمب وحالة استنفار في البيت الأبيض ومحاولة منع الكتاب. 

 
وها نحن نستقبل عاما جديدا على رفاث آخر، فعل فيه ترمب ما فعل وبادر فيها إلى تحركات ربما تطفح بنوع من عدم المنطقية وتجعله مادة دسمة للسخرية، بل وزدات عزلة الولايات المتحدة إقليميا وعالميا، وزادت نبرة العداء تجاهها من قبل من تعتبرهم أعداءها بل وحتى حلفاءها، ولكن يبدو أن ترمب مصر على المضي قدما غير عابئ بأحد فارضا الأمر الواقع، كما حدث مع القدس وفشل الرؤساء العرب أو تواطؤ بعضهم في اتخاذ قرارات ترقى إلى حجم ما حل ووقع، لدرجة  تجعلك تتساءل هل ترمب ذكي جدا للدرجة التي تجعل الجميع عاجزا أمام قراراته المتهورة؟ أم نحن أغبياء جدا لدرجة تجعل الجميع ينتظر ويراهن على رجل يراه إعلام بلاده مادة للسخرية والتهكم ؟!!! أم هي لعبة السياسة القذرة والمصالح المتضاربة التي ترفع المصالح فوق أي اعتبار لدرجة تجعل البعض يتغاضى أو يتغابى عن رؤية ما لا تخطئه العيون ولا تكذبه الظنون.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إعلان