نحن لا نستطيع إيقاف الموت المحتوم، لكننا نستطيع أن نخفف من أشكاله، أن نكتم صوت الغصة ونقلل ملح الدمعة، بإمكاننا أن نحافظ على متانة علاقاتنا فلا نهدر جمالها سُدى |
أما رأيت يوماً عاشقاً يفارق معشوقته وملامحه تنضح بكل أنواع الآلام؟ يريد أن يقول لها بكل ما أوتي من حب وقوة أن قفي ها هنا لا تذهبي سأموت، صحيح أنه لا يموت فعلياً لكنه يتذوق من طعم الموت شيئاً، وهكذا فراق الأحبة والأصدقاء، لما كانت امتحانات العام تنتهي معلنة غياباً عن رفاقي.. أتألم، لما سافر صديقي الذي جاورني في مقعد الدراسة سنوات ولم أره بعدها.. تألمت، ولما غادرت لبلد آخر وخلفت أبي وأمي وبعض إخوتي مات في نفسي شيء وبقي الفراق والألم.
نحن نتألم إن فارقنا بيتنا، أشياءنا، أحباءنا، علاقاتنا، نحن نحزن إذا تركنا نهاراً جميلاً أو فاتتنا ليلة سعيدة، ربما نستسلم للفراق أحياناً، لكن أحياناً تتملكنا قوة جامحة في داخلنا تجعلنا فجأة نحارب الجميع مهما كانت قواهم وأسلحتهم، نقاتلهم على ضعفنا، لا نريد الاستسلام هذه المرة، رغماً عن طاقاتنا الهزلية نقاتل، ورغماً عن سيطرتهم نحاول أن ننتصر، لكن في النهاية إرادة الله نافذة، وعلى السهم أن يترك القوس حتى يصيب.
نحن لا نستطيع إيقاف الموت المحتوم، لكننا نستطيع أن نخفف من أشكاله، أن نكتم صوت الغصة ونقلل ملح الدمعة، بإمكاننا أن نحافظ على متانة علاقاتنا فلا نهدر جمالها سُدى، ولا نشهر سلاح الغياب بوجهها، كم تمنيت لو أن هناك قانون يقول للمفارقين تعالوا، لا يحق لكم أن تنسجوا خيوط الأمل ثم تقطعوها، لا يحق لكم أن ترسموا فرحة اليوم وتهدموها غداً. أنا لست من المتلذذين بتعذيب النفس ولا مغرما بالأوجاع، لكنك حين تمسي وحيداً بعد أن كان نورهم لا يغيب عنك حيناً ستتألم، فنحن البشر مساكين، ضعيفون لدرجة أنّ لقاءً يحيينا وفراقاً يضنينا، المشهد هنا ليس درامياً، بل هذه هي الحقيقة، فعلى كل عتبة موقف حزين يموت جزء من روحنا، حتى يأتي الموت ويقضي على ما تبقى منها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.