شعار قسم مدونات

لهذا اخترت الكتابة

blogs كتابة

الكتابة من الأشياء الجوهرية بالنسبة للإنسان، هي تحرر من القيود وكسر للحدود الزمانية والمكانية انطلاقا من الارتقاء بذاتك ونشر ما يجود به خاطرك من كلمات منبعها القلب ووجهتها أسماع وأنظار المتلقين الذين هم لها أنصار أوفياء يشهدون لخربشاتك بالخلود حتى بعد موتك. قد نعتبر الكتابة ذاك المتنفس الذي يستطيع المرء من خلاله مشاركة مشاعره سواء السلبية منها أو الإيجابية مع متابعيه وأصدقائه وكمن يكون في جلسة للاستماع مع طبيب نفساني فتهون وطأة الحزن وتعظم الفرحة.

فكما نعلم جميعا أن الصدر لا يقوى على تخزين كل ما يخالج المرء بل وإن زاد فوق طاقته سيكون المصير هو الاختناق لحد الانفجار، لذا فالكتابة إذن هي استراحة وإزالة لأثقال الاختزان وطمأنينة للقلب وتجديد عهد جديد من الطمأنينة النفسية. بالإضافة إلى أن الكتابة هي فرصة لمد الجسور بين العوامل الداخلية والخارجية فيصبح للمعاني وقع عام ينتشر ليحاكي الأفكار ويتفاعل مع الآراء ويجعل للصواب أكثر من باب لبلورة الرسائل وإيصالها بالطريقة المنشودة.

إن اختيار الكتابة هى الطريق الأنسب لراحة القلب وتشارك الأفكار والقناعات وعدم اقتصارها فقط على الذات الداخلية 

تنقسم الرسالة الكتابية بين كاتب وآخر فهناك من يكون صداقا مع نفسه لدرجة تجعله يخسر العديد من الأشياء من حوله وبعض الأشياء المرتبطة به، وهناك من يكون متحفظا في كلماته حريصا على الخروج بأقل الخسائر من خطابه الذي لن يروق الجميع أحيانا، ومن هذا المنطلق قد نستخلص شيئا مهما وهو كون الكتابة ليس شيئا يسيرا، فالكلمة لها وقع عظيم نابع عن روح القدس، فكم من كلمة أقامت عدلا وكم منها صححت مسارا تاريخيا بأكمله كان من الممكن أن يكون أكثر حروبا وأكثر دموية. كما لا ننسى أن الكتابة كانت سبيلا من السبل التي اعتمدها الإنسان منذ القدم لبناء الحضارة وجعلته يورث حكما وأقاويل للسلف الصالح تقتدي بها أجيال تلو الأجيال رافضة للإهانة بما علموا ثائرين في وجه الطغاة معبرين عن آرائهم اتجاه كل ما ينتهك حدود الصواب.

فكان لابد للحرف أن يضع قطيعة مع الجهل ويرشد شعوبا وقبائل للاستقامة وإقامة الحجة بالإرشاد. وإن لمن باب احترام الكتابة عدم الكتابة من أجل تركيب الحروف ببعضها البعض فقط، بل احترامها يتجلى في الكتابة عند اللحظة التي يحس الفرد منا بامتلاء كيانه وقد تأججت ملكاته تعطشا لخرق القلوب بالحروف دون أي استشارة، طارحا بهذا وجهة نظر قوية نابعة عن مزيج موحد يجمع السبيل والغاية في اتجاه واحد. هذا ما يبرر اختلاف طقوس الكتابة من شخص إلى آخر فهناك من لا يستطيع أن يكتب دون صخب وهناك من يتجه دائما لمكان محدد يستمد منه الإلهام والتعبير وأيضا هناك من لا يكتب إلا برفقة سجائر غولواز وكذلك من تعتبر الكتابة عندهم قضية أو عادة موسمية.

و في الأخير فإن اختيار الكتابة هى الطريق الأنسب لراحة القلب وتشارك الأفكار والقناعات وعدم اقتصارها فقط على الذات الداخلية بل إطلاق العنان للكلمة كي تأخذ المنحى السليم لاستخلاص المعاني، وأكثر من هذا وفي ظل تعذر خلود الجسد أصبح خلود الفكر والروح هو الوحيد الذي يمكن نيله عبر ترجمة الكتاب لكل ما جادت به قريحتهم إلى حروف مرصعة من ذهب نفيس لا يصدأ.. مخلفة مسارا معبد للرسالة كي تنعم بالبقاء والتمدد حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.