شعار قسم مدونات

اغتيال الثورات في أربع خطوات!

blogs الثورة

مهما اختلفنا حولها، تظل الثورة حدثاً كبيرًا وفارقًا في تاريخ الأمم، فهي ليست مجرد نزهة بحرية قصيرة، أو مشوارًا رومانسيًا على الكورنيش، بل عاصفة هوجاء تُغرِق سفن القرصان ومعه بعض البحارة الأوفياء. فالثورة منعطف وَعِرْ في تاريخ الشعوب، تُضْطَرُ إليها فتبدأها ولكنها قد لا تعرف كيف تنهيها.

وتبقى الثورات مثل أي شيء آخر في الحياة، لها لحظات سعيدة ولحظات كئيبة. لها أصدقاء ولها أعداء. لها بداية ولها نهاية؛ قد تكون سعيدة أو مأساوية. فهي ليست مخلوقات أسطورية منيعة، بل هي هشة مثل البشر تمامًا.. يمكن قنصها واغتيالها والقضاء عليها. ولذا فإن حدثت ثورة في الشارع المجاور ولم ترق لك، أو إن خِفْتَ أن تنتقل إلى شارعكم وقررت قتلها والتخلص منها فحل مشكلتك لدي.. فدعني أشرح لك كيف تغتال الثورات في أربع خطوات؟

تحتاج إلى ثلاثة أشياء أساسية: الأكذوبة، والرمز، والمعزوفة، هذا بالإضافة إلى شيء من المال وقليل من القرابين.

الخطوة الأولى: بعد أن تقوم بتشريح الثورة جيدًا لتعرف من هم سَنَدِها وأوتادها الذين تقوم عليهم، استخدم بعض الأموال القذرة لتضعهم تحت دائرة الاتهام بأن تخلط الأموال مع القرابين لتحصل على الضحايا والاتهامات، ومنها انسج الأكذوبة وانسبها إلى عماد الثورة.

إن اغتيلت الثورات في الطرقات أو شنقت في الميادين، ستضل بذورها أمواجًا هادرة في أحشاء الأمم وضمائر الشعوب ووجدان البشر فستخرج مهما طال كبتها وصودرت إرادتها، وقُوِّضَتْ حرياتها
إن اغتيلت الثورات في الطرقات أو شنقت في الميادين، ستضل بذورها أمواجًا هادرة في أحشاء الأمم وضمائر الشعوب ووجدان البشر فستخرج مهما طال كبتها وصودرت إرادتها، وقُوِّضَتْ حرياتها


الخطوة الثانية:
ضع الأكذوبة في خلاطٍ كبير وَضَع معها بيضةً فاسدة واضربهما جيدًا فتختلط الأمور وتتشابك وتتعقد وتتداخل فتلوث تلك البيضة الفاسدة الخلطة بكاملها فتصير الأمور معقدة ومبهمة، وهنا يتسرب الخوف واليأس إلى قلوب المساكين الذين صفقوا لتلك الثورة فتختلط عليهم الأمور وبالتالي يصبح هدفهم هو البحث عن من ينقذهم ويبدد "مخاوفهم"، بل ويعيدهم إلى ما كانوا عليه قبل الثورة، وعندها تعرف ان الوصفة نضجت وجاء دور الرمز.

الخطوة الثالثة: الرمز. ومن أهم مواصفاته أن يكون منعدم الضمير، له سوابق في الخيانة، ولا يتورع عن ارتكاب أي جريمة مقابل "المعاش أو الماهية". سلطوي، نرجسي، مستبد، متعنت، وغبي في آنٍ واحد. ويمكن البحث عنه في عدة أماكن، وأسهل مكان هو الخردة العسكرية. فبعد أن تجد الزمر، اصقله جيدًا، واحلق ذقنه، والبسه كرفته وبزة عسكرية وحذاءً لامعًا وعندها سيكون جاهزاً لتنفيذ دوره الذي ستوكله إليه. 

ستفلت الثورة حتمًا من سجانها وستنهار الثورات المضادة على رؤوس صعاليكها وسيأتي يوم فيه يغاث الناس وفيه يعصرون، فلا تحبسوا أنفاس الحرية ولا تسكبوا زيتها فهي حتمًا عائدة

الخطوة الرابعة: المعزوفة. ضع الأكذوبة مع الرمز ثم أضف إليهما كوبًا من المال الفاسد مع نصف كوب من الخمائر الإعلامية في وعاء وأخلطهما جيدًا، ثم ضعها على نار هادئة لبرهة من الزمن لتحصل على النوتة الموسيقية للمعزوفة. سلم تلك النوتة للجوقة لتبدأ في عزفها وتكريرها حتى تنتشر رائحة المعزوفة لتصل إلى أنف الجميع فيدمنون عليها وتصبح واقعًا تصدقه الجموع وتؤمن به أنوفهم قبل عقولهم. وعندها يأتي "الرمز" ليؤدي دوره القذر، فيضع ما تبقى من الثورة في "فرامة الثورات"، ليفرمها على أنغام المعزوفة وتصفيق الجموع الساذجة التي تترقب ببطونها الخاوية الوجبة الجديدة، ولكنها ما تلبث أن تكتشف أن تلك الوجبة ماهي إلا وهمٌ مقليٌ في زيت من السذاجة وزيفٌ مطبوخٌ في فرن من الغبن. 

هكذا تُغتال الثورات وتُطبخ الثورات المضادة وتُوأد أحلام الشعوب.. تعاويذٌ شريرة تخطط لها نفوس خبيثة فتغذيها أموال قذرة وتنفذها أيادٍ دنيئة. ولكن حتى وإن اغتيلت الثورات في الطرقات أو شنقت في الميادين، ستضل بذورها أمواجًا هادرة في أحشاء الأمم وضمائر الشعوب ووجدان البشر فستخرج مهما طال كبتها وصودرت إرادتها، وقُوِّضَتْ حرياتها.

فستفلت الثورة حتمًا من سجانها وستنهار الثورات المضادة على رؤوس صعاليكها وسيأتي يوم فيه يغاث الناس وفيه يعصرون، فلا تحبسوا أنفاس الحرية ولا تسكبوا زيتها فهي حتمًا عائدة، فصبرًا حتى حين.. وكل ثورة وأنتم بخير!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.