شعار قسم مدونات

القضاء العراقي.. مُدان يحاكم أبرياء

مدونات - المحكمة

"باسم الشعب" عبارة اعتدت على قرأتها في كل قرار قضائي صادر عن المحاكم العراقية المدنية منها أو الجزائية، ولا أعلم عن أي شعب يتحدثون ومن الذي خولهم ذلك؟ هل الميليشيات التي يدافعون عنها؟ أم أحزاب السلطة الفاسدة؟ أم الانتخابات المزورة؟ هي من أضفت على وجودهم صفة الشرعية وهل هم مؤهلون؟ ويستحقون أن يمثلوا الشعب؟

في البدء لو عرجنا قليلا على القواعد المُعتمدة والتي يتقيد بها القاضي خلال تأديته لواجبه الوظيفي فهي كثيرة والخوض فيها يحتاج إلى وقت يُبعد القارئ عن لب الموضوع، لكن هنالك من البديهيات المتفق عليها على سبيل المثال "الحيادية، المهنية، النزاهة، حسن السيرة والسلوك، عدم الانجرار وراء العاطفة، عدم الانصياع للضغوطات السياسية، عدم المجاملة على حساب الحق، تطبيق قواعد القانون بالشكل الصحيح.. إلخ"، هذه الصفات لا تحتاج إلى دراسة لأنها مُسلمات وهي التي تضمن سلامة القضاء وتعافيه من أي خلل.

السلطة القضائية وهي الركيزة الأساسية لبناء الدولة المدنية وانطلاقا من المعهد القضائي الذي آلت ملكيته إلى أحد الأحزاب الشيعية بعد تقاسم غنائم المعركة الانتخابية وألاعيبها التزويرية.

لكن الواقع خلاف ذلك، ليس دائما وإنما غالبا، حينما يُصبح القضاء أداة بيد أحزاب السلطة الحاكمة ويكون القاضي وسيلة لتحقيق أهداف سياسية، من هنا بدأت المصيبة والفجوة العميقة بين المواطن البسيط وبين قاضي أرخى الستار على جرائم ميليشيات وأحزاب لها أول وليس لها آخر، عاثت فسادا وأنهكت شعبا بكامله دمرت مؤسسته العسكرية واستبدلتها بعصابات إجرامية سرقت ثرواته وغيبت شبابه حكومات مجرمة فاقت نظيراتها.

منذ آلت السلطة في العراق إلى الأحزاب الإسلامية الشيعية منها والسنية –وللأولى نصيب الأسد ليس في الشجاعة طبعا- استولت هذه الأحزاب على كل مفاصل الدولة وأصبحت كلمة مستقلة خدعة إذ لا استقلالية في زمن حكم المافيات، فالقضاء والنزاهة ومفوضية الانتخابات وحقوق الإنسان.. إلخ هي عبارة عن بقرة سمينة تدر الأرباح للصوص السلطة سواء كانت المادية منها أو الاعتبارية لتضمن لها ديمومتها في امتصاص دماء الفقراء وبقاءها في السلطة رغم فشلها.

وقدر تعلق الموضوع بما يسمى بُهتانا السلطة القضائية وهي الركيزة الأساسية لبناء الدولة المدنية وانطلاقا من المعهد القضائي الذي آلت ملكيته إلى أحد الأحزاب الشيعية بعد تقاسم غنائم المعركة الانتخابية وألاعيبها التزويرية، ومن باب الانصاف وتحقيقا للعدالة العمياء أن يتم توزيع مقاعد هذا المعهد بين الغرماء ليضمنوا عبيدا باعوا شرف المهنة وسلموا مؤخراتهم وقرارات البراءة إلى أسيادهم في المنطقة الخضراء، وأقسموا أن يقضوا على خصومهم إن لم يقدموا لهم فروض الطاعة، نعم فالقضاء أصبح ساحة لتصفية الخصوم السياسيين والمعارضين لحكومة الميليشيات المنفلتة.

وإذا كان هذا حال المعهد القضائي وطريقة اختياره من يؤهلهم ليكونوا قضاة فإن الحال داخل أروقة المحاكم وإدارة جلسات المرافعة من بداية تشكيلها ولغاية النطق بالحكم لا يقل سوءا وإجراما في حالات أخرى، فالقرارات المزاجية الفاقدة للشرعية لا تتوانى عن قصم ظهور البسطاء إلا من كان له شفيع يغفر له ذنوبه أو وقع بين يدي غفور رحيم لم تنل منه ذئاب السلطة الفاسدة، أما إذا كان الضحية من خصوم الميليشيات الإجرامية أو أحزاب "الخيانة الشيعية" حينها لن يغفر لك.

كيف لنا بعد كل هذا أن نأمن لقضاء سيء ومنحاز وفاشل؟ قضاء عجز أن يعيد إلى العراق ولو جزءا يسير من ثرواته المسلوبة أو أن يحاسب المتخاذلين الذين باعوا أرضه للإرهاب!

حيث أصبح من المغضوب عليهم في نظر المنحرفين فكريا ولا يقل حالك سوء إذا تطرقت إلى فضائح السلطة القضائية المُعاقة بفايروس الكراهية فلا يمكنك أن تتحدث عن قاضي مارس جريمة التعذيب في سجون الحكومة الفاشية، وآخر أصدر حكما بإعدام بريء لم يقترف ذنبا سوى أنه يحمل الجنسية العراقية، وأبرياء يقبعون في السجون بسبب أخطاء قضائية وكوارث وبلايا لا أخلاقية، في الوقت الذي يبرئ فيه القضاء لصوص ومجرمي الحكومة الميليشياوية ويجعل الناس في حيرة من أمرهم "سكارى وما هم بسكارى ولكن قرار القاضي سخيف".

ليس بعيدا عن هذا القاضي السيء بمترين، هنالك صنم جالس يمعن النظر في جدران الغرفة لعله يجد ضالته يغفو حين ويصحو حينا آخر لا جدوى من مداخلاته لكن ليثبت وجوده، يقلب بهاتفه النقال متمعنا في ساعته راجيا من الرب انتهاء الوقت ليذهب إلى منزله وينعم بقيلولة الظهيرة بعد تناول صحن الثريد ليتخم معدته، نعم فقد أنجز مهمته بكل فشل وطعن بقرار نفقة للزوجة والأطفال لأن النفقة لم تكن كافية فالزوج المسكين عامل بناء ويستحق أن يسحق على رأسه ونطبق فلسفتنا القانونية بحقه وننصف المرأة ونعيد لها كافة حقوقها المستلبة، نائب الادعاء العام الذي يدافع عن حقوق المرأة عاجز أن يدافع عن حق شعب بكامله أو أن يحرك شكوى أو يطعن تمييزيا في قرار خاطئ برئ، مسؤول حكومي فاسد سرق المال العام أو ميليشاوي قتل مظلوما أو عذبه في سجون الميليشيات الشيعية السرية ليغلق الباب على فصل جديد من تخاذل قضاء وحكومة فاشلين.

أليس من الأجدر بنا أن نسعى إلى محاكمة القضاء ومحاسبته على ما اقترفه من جرائم بحق الشعب العراقي؟ كيف لنا بعد كل هذا أن نأمن لقضاء سيء ومنحاز وفاشل؟ قضاء عجز أن يعيد إلى العراق ولو جزءا يسير من ثرواته المسلوبة أو أن يحاسب المتخاذلين الذين باعوا أرضه للإرهاب، قضاء عجز عن حفظ ماء وجه أبناء العراق وحفظ كرامتهم وحقوقهم وحرياتهم، قضاء مُدان بالتستر على المجرمين لا يستحق أن يحاكم أحد فهو أحق بالعقاب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.