كان المخلوع صالح يمارس قداسة من نوع آخر، يختزل الوطن في شخصه، ثم يبدأ القطيع بالهتاف لهذا الوطن المريض وافتدائه، كان يقول لهم إن البلد بدونه ستذهب للهاوية، فيصرخون ملء حناجرهم: ما لنا إلا علي، دعاهم مؤخرا للنزول إلى ميدان السبعين ثم قال لهم إنه سيحشد الآلاف منهم للحرب، فهتفوا له كثيرا، وبين هتاف السبعين، وتقديس أتباع عبد الملك له، تجد الجاهلية، ودعواتها النتنة، طريقها للوصول إلى حيث تريد.

لا يهم ذلك أيها الشيخ العاجز، أما وقد افتديت عبد الملك بأبيك وأمك، وكل ما تملك، دعني أسألك بعض ما يعتلج في داخلي، ألا تشعر بالخزي والعار وأنت تقدم أمك وأبيك فداء ليعيش عبد الملك، هذا الذي أفسد في الأرض طولا وعرضاً؟ ثم هل يحتاج أيضاً لكل هذه القداسة حتى يريق دماء الناس باسم الله، وآل البيت؟علماً أن الكثير من الطغاة أراقوا دماء الملايين من الناس، لكنهم لم يحتاجوا لقداسة من أحد، كانوا مجرمين في قرارة أنفسهم، ويعرفون أن القداسة لن تضيف شيئا لمقامهم، أمام ملايين اللعنات التي تنهال عليهم حتى بعد مماتهم، فلم لا يفعل عبد الملك ذلك، ويحفظ لأتباعه ما بقي من احترام أبائهم وأمهاتهم لهم؟ أي غباء هذا الذي يجعل شخصا بكل قواه العقلية يصفق لمجنون، إنه زمن لم نره من قبل.
وبينما كان هذا الرجل يصيح بنبرة عالية، من إحدى مناطق صنعاء، ويقدم نفسه ووالديه فداء للسيد، كان الشاب محمد السامي في مدينة تعز، لا يزال يعاني من صدمة فقد والديه دفعة واحدة قبل أشهر، جراء قذيفة ملعونة أطلقها أتباع عبد الملك وصالح على منزله ليلاً، لتظفي ظلام مضاعف لظلام الليل المخيّم على تفاصيل المدينة المقاومة.
ما الذي حملك على ما صنعت لتهتف بحياة والديك فداء للكهنوت، وقد ابيضت لحيتك، ووهن عظمك، هل تعلم أن عبد الملك وعصابته لم يكن شيئًا مذكوراً، لولا عصابة صالح التي دفعت بمراهقته إلى الواجهة ليتصدر المشهد المأساوي، وهل تعلم أنه لا يمتلك حتى شخصية مستقلة، تجعله يبتعد عن تقليد حسن نصرالله في خطاباته التي تخلو من حرف القاف، وهل تعلم أن هذا الذي يدفع بكم لقتال اليمنيين، لم يزر جبهة قتال واحدة مذ أعلن الحرب، ولا يعرفه معظم أنصاره إلا عبر خطاباته من وراء حجاب، وهل تعلم أن عبد الملك لا يزال مختبئا في جحره، بينما يزج بأتباعه وأنت أحدهم إلى مصارعهم.
وإذا كان عبد الملك نكرة لم يصبح معرّفة إلا من خلال سجله الإجرامي على امتداد اليمن الحزين، وبارع في القتل والتدمير كحليفه صالح، ومأجور لا يمتلك حتى قراره، هل يستحق أن تفتديه بأبيك وأمك وكل ما تملك؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.