لن أُؤمن بأحدٍ فأنا حُر، خلقني الله حرا فلماذا أتقيد؟ عفواً، لم يخلقني الله، خلقتني الطبيعة، لا وجود له في عالمي هذا أستطيع فعل كل شيء بدونه، لماذا أقيدُ نفسي وجسدي بشعائر وروحانيات غيبية لا ملمس مادي منها، مْسلمات لا يقبَلُها العقل ولا يستسلِمُ لها!
بعيداً عن النظرةِ العلمية للإلحاد ومسألة وجود الله -تعالى- من عدمه والمناظرات التي لا يَكُفُ عنها المُتحاجُون سواء من يريد الإثبات أو النفي، الكلمات هنا تتحدث وتناقش النظرة المجتمعية الأدبية لا العلمية، عن دور المجتمع في انتشار الإلحاد وأركانه التي تستند عليها فئة عمرية شبابية تتراوح -غالبا- ما بين سن 18 إلى 30 عاماً، وهي فترة النضج على المستوى البدني والفكري والروحي.
كما يقولون ويُروج في مواقع التواصل الاجتماعي، بعد الثانية عشر منتصف الليل، تأتي الأسئلة الوجودية لهذا الكائن المعني بالإنسان، من خلق الله، ومن خلق خالقُ الله، وكيف بدأ الخلق والخالق، تفكير يبدأ ويصطحب معه نوعاً ما من المزاح ولكنه يكمُنه شيءٌ من العمق، فيتحول اليقين إلى شكٍ، وتنتهي ابتسامات المزاح وتبدأ ملامح الباحث الجاد عن الحقيقة وتصبح المُسلمات أمر بديهي، وتنبعث رياح الأسئلة، وغالباً لا تُلاقي أجوبة عقلانية للتصدي لها.
الركن الأول
غياب الدين من التعليم:
كتاب الدين وقدسيته لدينا منذ نعومة أظافرها، المرحلة الابتدائية التي تعد من أهم المراحل التعليمية بلِ المرحلة الأساسية الصلبة التي تَعُد بمثابة السُلم التي يصعد الدين من خلالها ليتربع في عروش قلوب الناشئة ويُنقيها من شوائبِ النفسِ والشيطانِ ويأخذ مكانه الصحيح في عقولها ويُنيرها وينقذها من أفكار المجتمع المظلمة.
كيف سيتعلم تلميذ المرحلة الابتدائية دينه عن طريق منهج مخالط يحتوي على قصص الأنبياء المعصومين من الأخطاء الذين جاءوا لينيروا الحياة وزرعوا الخير والحق وأنقذوا الحياة من الشر والباطل ولكنهم ذهبوا بلا عودة، ذهبوا وتركوا لنا قصصهم لنقرأها دون إدراك واقعي ونحفظُها دون فهم ومقصد حقيقي منها، عن طريق أساتذة يعانون من اهتزاز قيمي سلوكي ناتج عن الفهم والتعلم الخاطئ لذات الدين. لم نتعلم أن سيّر حياتهم عبرةٌ لنا في كل شيء، بل أسلوب حياة نسيرُ به طيلة حياتِنا، وأخلاقهم النبيلة وصبرهم على الشدائد وتحمل الصعاب ومعاناتهم مع أقوامهم وإخلاصهم لدعوة الله عز وجل وحبهم لرسالة الوحي وحِفظهم للأمانة، لم تُزرع بداخلنا على أنها عقيدة يجب أن تقف عليها أقدامنا ثابتة تأبى التعرض للاهتزاز مِمّا حولها من تشكيكٍ وانحراف.
وبالرغم من هشاشة مناهج الدين لدى الناشئة لم يكتفوا بذلك بل أْلغيت آيات القرآن الحاثة على الجهاد أو الأحكام التي، شرعها الله التي تتنافى معها القيم العلمانية الجديدة القادمة من الحداثة الغربية، بل مع انتشار مدارس اللغات والتعليم الدولي جاءت المناهج بغير دين، فالدين هنا يقتصر على الشعائر اللاهوتية داخل المسجد بين الإنسان وربه ولا وجود له في المجتمع المادي القائم على العقل فقط ولا علاقة له بالدين الروحي كما يزعمون افتراءً، فالإسلام دين ودنيا وعقل وروح، كما قال المفكر البوسني علي عزت بيجوفيتش في كتابه الإسلام بين الشرق والغرب عند مناقشته نظرة الإسلام للإنسان والحياة.
حتى التلميذ في طموحه المستقبلي يأبى إلا أن يكون طبيبا أو ضابطا أو مهندساً فلا يفكر أن يكون عالما في الدين، لأن مفهوم الدين هنا ترسخ في ذاكرته أنه شيء أسطوري جاء في الماضي وذهب ولم تَعد له أي مكانة في الحاضرِ و المستقبل، بعد أن سُلبت منه فطرته الدينية شيئاً فشيئاً.
ويأتي دور طالب مرحلة الاعدادية، فئته العمرية ومكوناته الشخصية التي ترتبط بالأسرة والمدرسة والمجتمع، ويبدأ الصراع بينه فطرته والسلوكيات والقيم التي تعلمها واكتسبها بشكلٍ غير صحيح وبين عادات وأعراف وقيم الأسرة والمدرسة والمجتمع الواقعية، وتنتهي أغلب تلك الصراعات بهزيمة ساحقة للفطرة وقيم الدين الغير ثابتة على أساس واضح وصريح، فتبدأ السلوكيات تتغير للأسوأ طبقاً للبيئةِ التي، يتكيفُ معها الطالب.
ثم ينتقل إلى المرحلة الفاصلة المرحلة الثانوية والجامعية التي يهدم فيها القليل مما تبقى، بلوغ الطالب أو الطالبة سن النضج الجسدي والفكري، الخيال الصلب هي سمة المراهقة الصلبة، يزيد هم الإنسان أكثر بوجود النشوة الجنسية تجاه الجنس الآخر الميل تجاه الآخر الذي لا مفر منه، يتكيف الإنسان مع رغباته وشهواته حسب تكيف المجتمع معها والمجتمع هنا ركن آخر يستند عليه المتجه إلى الإلحاد ورجال الدين أيضا ركن ثالث. وسنتطرق إليه لاحقا. فإذا كان المجتمع يتكيف بضوابط عرفية أو شرعية في علاقة الرجل والمرأة معاً يصطحب الإنسان معه، وإن كان لا تربطه أية أعراف شرعية أو مجتمعية يرجع الإنسان إلى حربه الكامنة بداخله بين القيمِ والعاداتِ والأمراضِ المجتمعية، ناهيك عن أمراض أخرى مثل الإدمان والطمع والجشع و الفجور والعري والسرقة والنصب والقتل وانتشار الجريمة التي لا مفر منها آنذاك.
وتتبخر القيم الدينية سواء الفطرية أو المكتسبة رويداً رويداً ويفُجُرُ القلبِ ويموتُ الضمير ويُجَنُ العقل وتختلطُ الروحُ بالجسِد وتُسيطر النفس وليس بالضرورة وجود الإلحاد علانية فهو لا يدعوا إليه حينئذٍ، ولكن هو إلحاد داخلي يكمُن من فجور القلب وانعدام الروح وإعلانه أيضاً يرتبط بهوية الشخص وهوية المجتمع الذي، يعيش فيه.
لذلك.. فالتعليم ركنٌ أساسي من أركان الإيمانِ بالله عز وجل فإن هُدِم أصبح أساساً لبنية أخرى تسمى الإلحاد، التعليم ورجال الدين والمجتمع المادي وفقدان الأمل كلها أركان تؤدي لليقين أو الشكِ، نناقشها في مدونات أخرى بإذن الله.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.