شعار قسم مدونات

زواج.. أم لحظات قليلة من المتعة؟

blogs الزواج

كم من الوقت تحتاج في بلدك لتصير قادرا على الزواج، كم مضى من عمرك قبل أن تصبح قادرا على إنشاء أسرة، هل المسألة مرتبطة فقط بالقدرة المادية أم أن فكرة الزواج تسبقها قناعة بضرورة التريث قبل الإقدام على خطوة مماثلة قد تساهم بشكل كبير في تحديد مسار حياتك ومستقبلك، شقي أم سعيد.. هل تضع لنفسك شروطا محددة لاختيار شريك حياتك أم أن سهامك ستتجه صوب أجمل فتاة قابلتها في حياتك لتربط معها حبل الزوجية بإحكام، ثم تنتظر تبعات اختيارك، أم أنك تنتظرين ذلك الشاب الثري الذي سيرحل بك من حياة العمل والكد والبساطة، إلى حياة الرفاهية والمتعة والاستعلاء على الآخرين.. هل تؤمن أو تؤمنين بأولوية الدين والمبادئ، كشرط أساسي لتحقيق غايات الزواج ومقاصده، وعامل من عوامل نجاح التجربة، أم أن الأمر لا يعدو كونه مرحلة جديدة قوامها لحظات من المتعة وأسلوب حياة جديد. 

دعني أحيلك على واقع بات يفرض ذاته بقوة اليوم في المجتمع، كثير من الشباب أعادوا قراءة وفهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، تنكح المرأة لأربع، مالها، حسبها، جمالها ودينها، مركزا في آخره على أولوية الدين كشرط أساسي لبلوغ أسمى غايات الزواج المادية والروحية، فكانت النتيجة لدى هؤلاء الشباب، تقديما صريحا لمقياس الجمال، جمال المرأة نقطة لن يتم التنازل عنها مطلقا، ثم يأتي المال في الدرجة الثانية، تحقيق شرط الرفاهية في الحياة، شراء منزل جميل وامتلاك سيارة فاخرة وأرصدة في البنوك هي معايير الزواج المتعارف عليها اليوم في وطني العزيز وربما في باقي أقطار الوطن العربي أيضا.

 

أنت بحاجة إلى شريك يرى في الحياة أكثر من مجرد اهتمام بالموضة والأزياء، مثقف، يشبع رغبتك في الحديث والنقاش عن المجتمع والناس والحياة والعلوم والسياسة، يساعدك على تعلم الكثير من الأشياء، يصنع منك إنسانا عظيما
أنت بحاجة إلى شريك يرى في الحياة أكثر من مجرد اهتمام بالموضة والأزياء، مثقف، يشبع رغبتك في الحديث والنقاش عن المجتمع والناس والحياة والعلوم والسياسة، يساعدك على تعلم الكثير من الأشياء، يصنع منك إنسانا عظيما
 

لا تسأل شابا مقبلا على الزواج عن حسب المرأة، إذا توفر الشرطان الأساسيان في هذه العلاقة، المال والجمال، ستتلقى جوابا قاسيا وربما تفسيرا منطقيا إلى حد ما وقد تسمع أيضا القول المأثور: كن ابن من شئت واكتسب أدبا، يغنيك بنو محمد عن النسب، لا تسأله أيضا عن دينها فقد صار بعيدا عن اهتماماته وأولوياته، يقول والد الفتاة: عسى أن يهدي الله عريس ابنتنا، ويقول أقرباء الزوج عسى أن يصلح حال عروسنا، أليس الذي يهدي هو نفسه الذي بيده مفاتيح الرزق!

دعني أحدثك أيضا عن تجربة أعيشها كل يوم، بالقرب من بيتنا توجد قاعة أفراح، يكتريها العريس ليقضي فيها ليلة العمر، ليلة العمر التي تبدو كحفلة غنائية، تتزين فيها النساء وترقص على إيقاعات الشعبي المغربي والشرقي والغربي وكل أنواع الغناء، ترقص السيدة المحترمة بجنون، تنتظر شابا قد يعجب برقصتها وقوامها فيتقدم لخطبتها بعد أيام قليلة، لتعاد نفس القصة مجددا، الزواج في نظر هؤلاء لا دين له ولا أعراف ولا تقاليد، وإنما هو لحظات من المتعة، وتباهي على الأصدقاء بالمال الكثير والوجه الحسن، ولسان حال الآباء يقول مجددا، لعلهما يتوبان، ومن تاب يتوب الله عليه.

 

أيام قليلة بعد الزواج، أو أشهر قليلة على أبعد تقدير، تبدأ إجراءات الطلاق، الزوجان لم يعودا قادرين على الاستمرار، الحياة التافهة التي بني عليها الزواج وصلت إلى نهايتها، المتعة الجنسية وصلت إلى حد الإشباع، لم يعد هؤلاء المراهقون يشعرون بمعنى أن تكون متزوجا، فقد أدخلا نفسيهما في متاهة، افتتحت بسهرة صاخبة، وانتهت بقرار القاضي المختوم بطابع المحكمة، يطلق فلان فلانة ويلتزم بنفقتها… إلى آخره.

أنت بحاجة إلى شريك يأخذ بيدك إلى الطريق السليم، ويساعدك على تربية جيل جديد، متشبع بقيم المواطنة، مسئول وقادر على حمل هم المجتمع والوطن، وعلى المساهمة في صنع غد أفضل

كان الزواج قديما ميثاقا بين شخصين وعائلتين، مبني على توافق واقتناع كل طرف بالآخر، وقناعة بالحالة المادية للزوج، وتوسم للخير في هذه الخطوة، وفي بركاتها كما أشار إلى ذلك الرسول الكريم، يعقد القران ويتبعه حفل بسيط غير مكلف ماديا، يحترم الضوابط الشرعية للزواج، فهو في الأخير بناء، إذا صلحت لبناته صلح وإذا فسدت، انهار بعيد بدايته بقليل… يجتمع فيه الأحباب، ويقضون لحظات من الفرح والسعادة ثم يرفعون أكفهم إلى السماء بأن يبارك الله للعروسين هذا الزواج ويصلح لهما ذريتهما، ويفتح بذلك العروسين صفحة جديدة في حياتهما، ميثاقها حب واحترام ومتبادل، وعهد على استمرار الزواج إلى أن يفرق الموت بينهما.

بعيدا عن واقع الحياة الزوجية، ونظرة المجتمع والناس للزواج، هناك أيضا عوامل أخرى، ستحدد بشكل كبير ملامح حياتك الزوجية وفرضيات نجاحها.. لنفترض أنك شخص واع بماهية الزواج وأسسه النبيلة، أهم شرط سيفرض نفسه أمامك هو القدرة المادية، قد تكون حسابيا قادر على الزواج في سن الثامنة عشرة، لكن إذا كنت مواطنا عربيا متوسط الدخل فالأمر قد يجعلك تحتاج ربما لعشر سنوات إضافية، لتتوفر لديك الباءة المذكورة في الحديث الصحيح، في ظل ارتفاع تكلفة الحياة وهشاشة النموذج الاقتصادي للدول العربية، ما عليك سوى الانتظار والترقب ويمكنك أيضا خفض حدة الضغط على نفسك بتكرار جملة: كل آت قريب.

حينما تتوفر لديك الباءة، وتصير على أبواب إغلاق صفحة العزوبية، فكر جيدا قبل أن تختار شريك حياتك، أنت في الحقيقة تبحث في زواجك عن أشياء أسمى من مجرد اهتمام بالماديات، أنت بحاجة إلى إنسان يشكل لك سندا في الحياة، يزرع في نفسك الأمل والرغبة في الاستمرار والمضي قدما في مسالك الحياة، يخرجك من حالة التوتر التي تعيشها في العمل، يكتم أسرارك ويساعدك على الفوز في صراع الخير والشر بداخلك، أنت بحاجة إلى شريك يرى في الحياة أكثر من مجرد اهتمام بالموضة والأزياء، مثقف، يشبع رغبتك في الحديث والنقاش عن المجتمع والناس والحياة والعلوم والسياسة، يساعدك على تعلم الكثير من الأشياء، يصنع منك إنسانا عظيما.. يأخذ بيدك إلى الطريق السليم، ويساعدك على تربية جيل جديد، متشبع بقيم المواطنة، مسئول وقادر على حمل هم المجتمع والوطن، وعلى المساهمة في صنع غد أفضل. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.