شعار قسم مدونات

الخليل.. مدينتي التي أعشق

Blogs- hebron

أوجد الله تعالى في النفس البشرية حب الوطن وخاصة مسقط رأس الفرد. لذلك، ارتبط الإنسان منذ الأزل بالمكان الذي وُلِدَ فيه ونشأ وترعرع. ومع أن الدين الإسلامي اعتبر أن ديار الإسلام كلها وطن للمسلم، إلا أن تعلق المسلم بمسقط رأسه أمرٌ لا يمكن إنكاره. فالرسول عليه الصلاة والسلام عندما خرج من مكة مهاجراً إلى المدينة أعلنها صراحة بأن مكة هي أحب أرض الله إليه، وأنه لم يكن ليخرج منها إلا لمصلحة أكبر وهي نشر الدعوة الإسلامية بحرية في مكان آخر بعد أن ضاقت كل السبل في مكة، وأصبحت حياة الرسول عليه السلام في خطر. 

           

لذلك، أشعر بفخر كبير عندما أذكر بلدي وأتباهى أن كانت تلك المدينة مسقط رأسي. إنها مدينة الخليل أو بالأحرى مدينة خليل الرحمن. لقد منح الله سبحانه هذه المدينة ميزات كثيرةً قَلَ أن تجد مثلها في مدن أخرى. فهي جزءً من إقليم بيت المقدس، ذلك الإقليم الذي بارك الله فيه وجعل محل البركة فيه إلى يوم القيامة. كما أنها المدينة التي وطئت على ترابها قدمي سيدنا إبراهيم عليه السلام، وهي بذلك تلك المدينة التي عاش فيها عليه السلام وبها دفن، علاوة على أنها المدينة الوحيد في العالم التي أخذت اسمها من اسمه (خليل الرحمن). ومن المعروف أن العلماء لم يتفقوا على الأمكنة التي دُفن بها أنبياء الله ورسله إلا في حالتين: سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وقبره معروفٌ في المدينة المنورة، وسيدنا إبراهيم عليه السلام وقبره في المغارة الواقعة تحت المسجد الإبراهيمي في الخليل. 

            

أعطى الصليبين  المدينة أهمية كبرى تشابه بطريقة أو بأخرى مدينة بيت المقدس، وحاولوا التمسك بها والمحافظة على احتلالها بكل وسيلة، وذلك بسبب وجود قبر سيدنا إبراهيم فيها

هي تلك المدينة التي شكلت أول وقف في الإسلام، فقد أوقف الرسول عليه السلام هذه المدينة وبعض قُراها للصحابي الجليل تميم الداري ونسله من بعده. علماً أن المنطقة كانت عندما أوقفها الرسول عليه السلام لاتزال بأكملها تحت الحكم البيزنطيين، ولم تكن قد فتحت من المسلمين بعد. إنها مدينة الخليل ذات التاريخ القديم الممتد لألاف السنين، تلك المدينة التي تأصل في أهلها كرم إبراهيم الخليل، وحق لهم ذلك وهم يجاورون جسده الشريف منذ آلاف السنين. ولذلك أصبحت تُعرف بالمدينة التي لا ينام بها جائع. وتكية سيدنا إبراهيم خير شاهد، حيث أن الطعام المجاني لم يتوقف في هذه التكية منذ أمد بعيد. كما تأصلت في نفوس أبنائها الشهامة والشجاعة وحب الخير. ولذلك، تمسكت وتميزت هذه المدينة وتميز أبناؤها بعادات وتقاليد تختلف بطريقة أو أخرى عن عادت المدن الأخرى سواء في فلسطين أو في غيرها. 

             

لقد عانت مدينة الخليل كما عانت غيرها من مدن فلسطين من ويلات الاحتلال وظلم المحتل في التاريخ القديم والحديث. ولا نريد أن نغوص بعيداً في التاريخ، لكن يمكننا استذكار المذابح التي حلت بأهل المدينة عندما اجتاحتها جيوش الصليبين عام 1099م، ومن المعلوم أن الصليبين أعطوا المدينة أهمية كبرى تشابه بطريقة أو بأخرى مدينة بيت المقدس، وحاولوا التمسك بها والمحافظة على احتلالها بكل وسيلة، وذلك بسبب وجود قبر سيدنا إبراهيم فيها. كما عانت مدينة الخليل من آثار الاحتلال البريطاني لفلسطين عام 1917م ومن ثم الانتداب البريطاني ودعمه غير المتناهي للعصابات الصهيونية التي طالما اعتدت على أهل المدينة، وأخيراً سقوطها بيد المحتل الإسرائيلي في عام 1967م، حيث لم تنتهي المعاناة إلى يومنا هذا. 

            

إنها مدينة فريدة في كل شيء، في أهلها وترابها، في ماءئها وهوائها، في عاداتها وتقاليدها، في أبطالها وشهدائها، في علمائها وعمالها، وأخيراً في عنبها وشهده. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.