شعار قسم مدونات

محمد مهدي عاكف.. إفراج للسجين الذي مات حراً

blogs عاكف

محمد مهدي عاكف سجين كل العصور، شيخ المعتقلين، الوحيد الذي حمل لقب "المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين" بعد رفضه للترشح لمرة ثانية وفاءاً لوعد قطعه وليكون قدوة ويقدم درساً في تداول السلطة داخل الجماعة رغم الضغوط ليعدل عن قراره، المجاهد ضد الاحتلال الإنجليزي، الخصم الذي اتفق على عداوته كل من حكموا مصر من العسكر بدءاً من جمال عبد الناصر وصولاً للسيسي.

تزامنت ولادته عام 1928 مع بزوغ جماعة الإخوان المسلمين ورحل عن عالمنا والجماعة تمر بأصعب مِحَنها وأزماتها ورغم كل هذا لم ينحن المجاهد الشيخ ويرضي غرور العسكر طمعاً في الإفراج الصحي، الذي رفضه القضاء قبل فترة قصيرة رغم كل التقارير الطبية التي قدمها محاميه والتي تثبت مرضه الشديد وتوافر كل الشروط المطلوبة للإفراج الصحي، ونسي المدافعون عن الشيخ أن منظومة الانقلاب ترى فيه عدواً لدوداً لها حتى وإن كان غير قادر على الحركة فهو أحد أدلة خيانتهم وانقلابهم على إرادة الشعب المصري ومصادرة ثورته وأحلامه ومقدراته.

محمد مهدي عاكف الملقب بالمرشد الصريح بعد أن أقدم على خطوة مهمة في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين عندما عرف عن نفسه في وسائل الإعلام بالمرشد العام للجماعة
محمد مهدي عاكف الملقب بالمرشد الصريح بعد أن أقدم على خطوة مهمة في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين عندما عرف عن نفسه في وسائل الإعلام بالمرشد العام للجماعة
 

أسلم الشيخ روحه لبارئها داخل محبسه لتكون نهاية رحلته الدنيوية إثباتاً على صموده وتخليداً لذكراه وتكليلاً لمشواره الطويل المليء بمحطات مشرقة ومضيئة من الجهاد ضد المحتل الإنجليزي بالسلاح، وضد الحكم العسكري بالعلم والدعوة والكفاح السياسي وليكون عمره أطول من عمر سجانيه، ولتبقى سيرته ويخلد اسمه بين من فضلوا الموت واقفين ثابتين شامخين رافضين أن يرتبط قرار الإفراج عنهم بتوقيع من قضاء مسيس وغارق حتى النخاع في التبعية للطغمة العسكرية الغاشمة الجاثمة على صدر الشعب المصري.

محمد مهدي عاكف الملقب بالمرشد الصريح بعد أن أقدم على خطوة مهمة في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين عندما عرف عن نفسه في وسائل الإعلام بالمرشد العام للجماعة.

محمد مهدي عاكف تم اعتقاله في عام 1954 بتهمة تهريب وايواء اللواء عبد المنعم عبد الرؤوف أحد القادة المطلوبين للنظام الناصري وحكم عليه بالإعدام وخفف للسجن المؤبد ورفض أن يقدم طلباً واسترحاماً للإفراج عنه كما جرت العادة في تلك الحقبة لإرضاء غرور الزعيم الملهم حبيب الملايين وتشبع رغبته في إذلال مخالفيه وقهرهم، واستغلالها للدعاية والترويج عن عطفه ورحمته مع خصومه، ليقضي في المعتقل 20 عاماً ويفرج عنه السادات عام 1974 دون أن يطلب أيضاً.

قدِّم للمحاكمة العسكرية سنة 1996، فيما يعرف بقضية "سلسبيل" والتي ضمت وقتها عدد كبير من قيادات الإخوان المسلمين، وقد اتهمه الادعاء بأنه المسئول عن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وحُكم عليه بثلاث سنوات، ليخرج من السجن في عام 1999.

محمد مهدي عاكف الذي تنقل في حياته العملية والدعوية فهو رئيس قسم الطلاب ورئيس قسم التربية الرياضية بالجماعة حتى عام 54 "تاريخ حل الجماعة للمرة الثانية"، ومدير عام الشباب بوزارة التعمير ومستشار الندوة العالمية للشباب الإسلامي بالسعودية ومدير المركز الإسلامي بميونيخ وعضو مجلس الشعب عام 87، واختاره المركز الملكي للدراسات الاستراتيجية الإسلامية بالأردن ضمن أكثر 50 شخصية إسلامية مؤثرة عام 2009، وجاب العالم شرقاً وغرباً منظماً لأكبر المخيمات للشباب الإسلامي، رامياً لإخراج جيل من الشباب المسلم منفتحاً على العالم من حوله محتكاً ومتفاعلاً ومتعايشاً مع الجميع.

نال الشيخ المجاهد الإفراج الذي يتمناه وينتظره ويرجوه ليلقى ربه صابراً ثابتاً محتسباً، ولتكون وفاته شهادة توثق تعنت وتجبر وفُجر نظام السيسي الانقلابي في الخصومة وضربهم لكل القوانين

في عهده كانت جماعة الإخوان المسلمين أكثر علناً في المشهد السياسي، وأعلنت النزول في مظاهرات عام 2005، وأطلقت مبادرة شهيرة للإصلاح والحوار مع مختلف التيارات المدنية وزار عاكف جميع الأحزاب السياسية تقريباً بما فيها أعتى خصوم الإخوان الذين كان الهجوم على الجماعة أبرز أنشطتهم وأسباب تواجدهم على الساحة وتقربهم من السلطة ونيلاً لرضاها.

نال الشيخ المجاهد الإفراج الذي يتمناه وينتظره ويرجوه ليلقى ربه صابراً ثابتاً محتسباً، ولتكون وفاته شهادة توثق تعنت وتجبر وفُجر نظام السيسي الانقلابي في الخصومة وضربهم لكل القوانين والأعراف عرض الحائط وحسناً فعلوا، فقد برهنوا بفعلتهم هذه على تجردهم من كل معنى للإنسانية واستهزائهم بكل ما هو محرم وغير جائز، أثبتوا ضعف نظامهم وهشاشته وانهزامه أمام شيخ تسعيني أنهك جسده التعب واجتمعت عليه آلام المرض مع وحشة المعتقل ووحشية من اعتقلوه.

وصل الشيخ حكم الإفراج من رب العباد وكانت مصر وشعبها همه المقيم وشغله الشاغل فأخر تصريح له نقلاً عن إبنته "أنا لا أخاف الموت بل أخشي على مصر".

رحل الشيخ المجاهد لتُكتب نهاية لقصة وتخليداً لأسطورة كفاح ومثابرة وجهاد قل وثبات قل نظيرها، نهاية رحلة أجزم بأن الشيخ نفسه كان يتمناها حتى لا يكتب في تتمتها أنه قد أفرج عنه على أيدي من سجنوا مصر بأكملها واغتصبوا مقدراتها ودمروا حاضرها وصادروا مستقبلها وباعوا ماضيها، رحل "محمد مهدي عاكف" السجين الذي مات حراً.