في يوم 10 أغسطس الماضي اشتهى السائح الإيطالي إيفان باسكال مورو أن يسبح في مياه إحدى القرى السياحية بمدينة مرسى علم المصرية. كانت القرية تحت الإنشاء، ولدواعي الأمن والسلامة، لا يُسمح بدخولها إلا للعاملين بها. مياه البحر الفيروزية شغفت السائح الإيطالي فأصر على دخول القرية للسباحة. ارتبك العامل، فاستدعى المهندس طارق الحناوي، مدير القرية. حاول الرجل احتواء غضب السائح وصرفه تنفيذا لقواعد الأمن والسلامة، فرفض السائح، وبدأت مشادة كلامية، ثم لَكَمَ السائحُ المهندس لكمة قوية في وجهه، فنزف من أنفه وفمه، وفاضت روحه على إثرها.
حُرِّر محضر، وضُبِط السائح الإيطالي. بدأت الإجراءات القانونية، مثل تشريح جثة الضحية، حيث أكد التقرير المبدئي للطب الشرعي أنه تلقى ضربة أفضت إلى موته، بحسب اتصال هاتفي من برنامج حواري مع شقيقة القتيل، التي صرحت أيضا بأن وكيل النيابة أخبرها أنه بعد ضبط السائح الإيطالي اعترف بما فعل، وأقرّ بضرب القتيل (لم يكن يعلم خبر وفاته)، ووقّع على أقواله، وصدر قرار النيابة بحبسه احتياطيا أربعة أيام على ذمة القضية، ثم صدر قرار بتأجيل النظر في حبسه إلى جلسة 19 أغسطس، حيث قرر قاضي المعارضات إخلاء سبيله بكفالة 100 ألف جنيه (حوالي 5 آلاف يورو).
إذا كانت رعاية ابنتا القاتل الإيطالي واجبا على الدولة، لا يجوز التهاون فيه مهما كانت جنسيتهما أو جريمة والدهما، فإن صيانة حقوق أسرة مصرية أشد وجوبا، بذات الأهمية والإلحاح |
لماذا يسجن القضاء المصري آلافا من المعتقلين السياسيين، فترات تمتد أحيانا إلى 4 سنوات تحت مظلة الحبس الاحتياطي (الذي يفترض أنه يهدف إلى منع هروب المتهم، أو عبثه بالأدلة أو التأثير على سير المحاكمة) بينما يخلي القضاء سبيل متهم اعترف بضرب مواطن مصري ضربا أفضى إلى موته، مع أن هروبه هنا حتمي لأنه سائح أصلا؟ وإذا كان لابد من إخلاء سبيله، فلماذا لم يُمنع من السفر؟ أم أن القاضي يتوقع منه أن يبقى في مصر شهورا، وربما سنوات، منتظرا إتمام إجراءات القضية وصدور الحكم عليه، ليسارع إلى تسليم نفسه؟
بحسب تصريحات ابنة القتيل، تم شراء تذكرة السفر للسائح في يوم إخلاء سبيله، رغم مناشدات أسرته للنائب العام بالتدخل وتكليف نيابة البحر الأحمر بالاستئناف على قرار قاضي المعارضات، لمنع سفر القاتل إلى وطنه، بحيث يصدر ضده حكم غيابي في مصر، فيفلت منه وهو بالخارج.
ظهرت أسرة الضحية في برامج مختلفة وسألت عن أسباب إخلاء سبيل المتهم رغم اعترافه بالواقعة واكتمال أركان الجريمة، فصمت المسئولون جميعا من رجال القضاء ورجال الدولة وإعلاميّيها.
أما وزارة السياحة المصرية، فكسرت حاجز الصمت، حيث نشرت الصحف أن الوزارة أوفدت المستشار السياحي المصري بإيطاليا والتقى بالقنصل الإيطالي بالغردقة للوقوف على تطورات الموقف. كما اطمأن سيادة المستشار على طفلتي السائح القاتل، وتم تعيين جليسة أطفال خاصة لمرافقتهما، كما قامت وزارة السياحة بالتنسيق مع السفارة الإيطالية بالقاهرة والقنصلية الإيطالية بالغردقة، حتى نجحت في إتمام إجراءات سفر الطفلتين إلى إيطاليا.
عن هذه المفارقة ظهرت ابنة الحناوي باكية في مقطع فيديو لتشكر الحكومة المصرية على إرضاء ضميرها برعاية طفلتيِ القاتل، الذي سيبقى آمنا لرعايتهما، بينما حُرمت أسرة الحناوي من حقوقها في الحياة مع عائلها حيًا، ثم من حقوقها مرة أخرى في الدفاع عن حق الوالد المقتول غدرا، بعد إخلاء سبيل قاتله وعودته سالما لبلاده التي بادرت بتقديم كل دعم ممكن له.
بعض وسائل الإعلام روجت إشاعة بأن أرملة الحناوي تقاضت عشرة ملايين جنيه وتنازلت عن القضية، فظهرت الزوجة المكلومة في مقطع فيديو أذاعه موقع المصري اليوم، تنفي تماما هذه الأكاذيب |
وإذا كانت رعاية الطفلتين واجبا على الدولة، لا يجوز التهاون فيه مهما كانت جنسيتهما أو جريمة والدهما، فإن صيانة حقوق أسرة مصرية أشد وجوبا، بذات الأهمية والإلحاح.
بعض وسائل الإعلام روجت إشاعة بأن أرملة الحناوي تقاضت عشرة ملايين جنيه وتنازلت عن القضية، فظهرت الزوجة المكلومة في مقطع فيديو أذاعه موقع المصري اليوم، تنفي تماما هذه الأكاذيب، مجددة مطالبتها بتحريك طلب لنيابة البحر الأحمر لتمنع القاتل من السفر (وقتها)، وهو ما لم يحدث. العبثي أن السائح لم يكن مضطرا أبدا لدفع ملايين الجنيهات، لأن القاضي اكتفى بحوالي 2000 يورو (وهو مبلغ يسير بالنسبة للمواطن الأوروبي)، ليعود إلى بلده سالما غانما.
مع الوقت خفتت الضجة الصغيرة التي أثارتها الكارثة. ظهرت قضايا أخرى نجحت في امتصاص اهتمام رواد السوشيال ميديا؛ ظهرت أهداف مثيرة للجدل وحكام فاشلون في إدارة مباريات الدوري المصري، وظهرت مناقشات مستفيضة وتراشق حول لفظة نطقها فنان شاب في مهرجان سينمائي، حتى أن محاميا أعلن عن تقديم بلاغ ضده لتقديمه للمحاكمة بتهمة الإضرار بالسياحة المصرية… بينما دم الضحية "الحناوي" يجف وجراح أسرته تتعمق، بانتظار حكم لا يعرف أحد كيف يمكن تطبيقه. المهم أن تكون السياحة المصرية بخير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط:
* شقيقة طارق الحناوي: "لو أخويا كان خدش الإيطالي.. كانوا قالوا عليه إرهابي" (فيديو).