على أعتاب كل دورة انتخابية لبلد من البلاد الأوربية تكتشف الأقلية المسلمة فجأة أن اليمين المتطرف يقف على أعتاب بيوتها صارخاً ارجعوا من حيث أتيتم أيها الغرباء، هذه البلاد بلادنا ولا حق لكم فيها. من أنتم لتأخذوا أعمالنا وخيراتنا وتقّللوا من سقف رفاهيتنا وتخترقوا ثقافتنا ومجتمعنا بقيم لا تمت لتاريخنا وعاداتنا وتقاليدنا بصلة.
وهنا يبدأ السباق من عقلاء وحكماء الأقلية المسلمة ومؤسساتها نحو جرس الإنذار لتبدأ الخطب في المساجد والمحاضرات والندوات علاوة على البيانات والفتاوى التي تحث على المشاركة لما لها من مصلحة للمسلمين والمجتمع حتى أن بعضها تجعل من لا يشارك آثما لتدحض الفتاوى التي تحرم المشاركة السياسية في بلاد الكفر والكفار. شارك في الانتخابات أيها المسلم، فالمسلمون في خطر، مساجدهم في خطر، حريتهم في خطر، أولادهم وبناتهم في خطر، شارك لكي لا يحقق اليمين المتطرف نجاحاً، هذه الأحزاب اللعينة التي لا تريد للمسلمين الخير. هذا المشهد يختزل واقع الأقلية المسلمة في العديد من الأقطار الأوربية في الأيام القليلة التي تسبق يوم الانتخابات.
يجب على المسلم الأوربي أن يخرج من الأنماط و القوالب الجاهزة، ويصنع نمطه المتفاعل مع محيطه، للعبور إلى ثقافة البناء والعمران ليترك بصمات عميقة داخل المجتمعات التي يعيش فيها |
ففي أيام الحمى الانتخابية هذه تكتشف الأقلية المسلمة ضعفها وعجز مؤسساتها وقلة تواصلها مع محيطها المجتمعي ومكوناته، فتحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه بتوجيه صرخة النجدة في مواجهة أمواج اليمين المتطرف المتلاطمة .ومما زاد الطين بلة وضاعف من عجز المؤسسات الإسلامية في السنوات الأخيرة هو ازدياد أعداد اللاجئين المسلمين الذين حطوا رحالهم في أوروبا هرباً من القتل والظلم والاستبداد والحروب مما أدى إلى زيادة الضغط على البنية التحتية الدعوية لهذه المراكز وخاصة في غياب المصادر المالية والقيادات المؤهلة الكافية القادرة على توفير الخدمات المناسبة.
لقد طرح اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا في بدايات التسعينيات مشروعا طموحاً أطلق عليه اسم التوطين والذي كان يهدف إلى توطين المسلمين في أوروبا عن طريق غرس قيم المواطنة والمشاركة المجتمعية في نسيج الأقلية المسلمة، ولكن بعد ما يزيد على عشرين عاماً لانطلاق هذا المشروع لا نستطيع أن نجد أية دراسات أو مراجعات أو تقييم لما حققه من إنجازات أو إخفاقات. إن غياب رؤية استراتيجية لمؤسسات ومراكز واتحادات الأقلية المسلمة في أوروبا فيما يتعلق بقضية المشاركة المجتمعية والسياسية والتعامل مع الأحداث بثقافة إطفاء الحرائق يعرض هذه الأقلية للتهميش وعدم الاستقرار والخوف من المستقبل المجهول.
هذه الرؤية التي يجب أن تقوم على إطلاق ممكنات المبادرة والإبداع لدى المواطن الأوربي المسلم وذلك من خلال التفاعل الطبيعي والعفوي مع مكونات محيطه الأوربي وبدون سلطة فوقية دينية كانت أم أيديولوجية، فانتظار المواطن الأوربي المسلم إلى إرشادات وتعليمات بالحل أو الحرمة في أمور مجتمعية بديهية يجعل عقله مكبلاً وفاقداً للقدرة على اتخاذ القرار والمبادرة. إنها دعوة إلى المسلم الأوربي للخروج من الأنماط و القوالب الجاهزة، دعوة لكي يصنع نمطه و قالبه المتميز المتفاعل مع محيطه، دعوة للعبور إلى ثقافة البناء والعمران ليترك بصمات متجذرة عميقة داخل المجتمعات التي يعيش فيها لا تستطيع رياح اليمين المتطرف اقتلاعها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.