شعار قسم مدونات

غازي القصيبي.. الإرهابي (5): تعالق سياسي!

blogs - غازي القصيبي

أثناء احتلال النظام الصدامي في العراق للكويت عام 1990م انبرى غازي القصيبي للدفاع عن الحق الكويتي في سلسلة من المقالات العالية النبرة تحت عنوان "في عين العاصفة"، ثم جاء ديوانه الشعري الذي وثق تلك المحطة شعريا "مرثية فارس سابق"، وصدحت الحناجر بأغنيته التي يحفظها معظم الكويتيين كنبوءة للتحرير والتي قال في بعضها:

"أقسمت يا كويت

برب هذا البيت

سترجعين من خنادق الظلام

لؤلؤة رائعة

كروعة السلام"

 

فحق القسم، ورجعت الكويت من خنادق الظلام، ويأتي القصيبي ليحيي فيها ما أسماه بـ "أم الأمسيات"، وليتوشح بوشاحها الوطني الأرفع.

 

وبالتأكيد فإننا في استعراضنا لمسيرة القصيبي الشعرية بكل مراحلها ضمن سياق معرفي لن نستطيع الفصل بحدة ووضوح بين ما هو سياسي وما هو وطني قومي وربما إنساني أحيانا، حتى ونحن نعرف أن القصيبي ينحاز شعريا للتقسيمات الشعرية المعتمدة على تنويعات أغراض القصيدة على النحو التقليدي. ولذلك حاولنا قدر الإمكان التركيز على ما هو واضح أشد الوضوح في تناولاته السياسية البحتة.

 

كتاب
كتاب "في عين العاصفة" لغازي القصيبي  (مواقع التواصل )

وبعيدا عن أي ظلال يمكن أن نقرأ فيها الفكر القومي لغازي أثناء قراءتنا لرواياته وقصائده ورصدتنا للتحولات الفكرية التي ألمت بالشخصيات فيها في مرحلة مبكرة من العمر، نرصد توكيدا أصيلا لدى غازي صريحا وبكلماته هو لا بكلمات واحد من شخصياته الروائية.

 

يقول غازي؛ "سبق وتكلمت عن قوانين الانتصار والهزيمة، وهي تسري على كل الجنسيات. هويتي ليست حذاء أغيره عندما يعتق ولا قميصاً أطرحه حيث يبلى ولا سيارة اشتري غيرها حين تختفي "موضتها"، وهويتي العربية تسكن كل خلية من خلاياي. إذا أردنا استخدام التعبير العصري تسكن كل "جينوم" من جيناتي. أحمل في دمي عذابات امرئ القيس وفتوحات سيف الدولة ودموع بغداد يوم دخول المغول وبريق السيوف في حطين وكبرياء المقاتلة الفلسطينية وسأبقى أحملها حتى أموت".

 

ورغم هذا الوضوح الذي تأكد أكثر من مرة في مقابلاته الصحفية والتلفزيونية في ظل الالتباس الذي عاشه البعض مع بداية التسعينيات أي أثناء وبعد مرحلة غزو الكويت من قبل العراق على يد صدام حسين باسم الوحدة والقومية العربية، نجد أن القصيبي كان حريصا على فك الارتباط بين الأمرين، وفي كتابه الذي كان حصيلة معركته الصاخبة والعاصفة أثناء الغزو نجد أن القصيبي لم ينفلت أبدا من إطاره القومي بل كان يوضح اللبس ويؤصل المفاهيم المتعلقة به على الدوام.

 

لم يكن القصيبي ليصمت أمام اللبس المفتعل من مقالاته بكتابه "في عين العاصفة" الذي تحول إلى اتهامات واضحة وصريحة له، فقد حفلت مقالاته الأخيرة بالكتاب بتوضيحات شتى لمن أراد أن يفهم. وكان يستغل كل مناسبة مهما كانت لتوضيح موقفه المبدئي الواضح أساسا

في  كتاب "في عين العاصفة" الذي يضم مقالات صحفية يومية كان يكتبها القصيبي وينشرها يوميا على صفحات جريدة الشرق الأوسط أثناء الاحتلال العراقي للكويت يقول القصيبي في واحدة من هذه المقالات؛ "لم يكن الزلزال الذي ضرب الأمة العربية مع احتلال الكويت، سوى تعبير عن متناقضات عديدة، كانت تفور وتختمر تحت السطح، وجاء الزلزال، وذهب، ولا تزال هذه التناقضات تفور، فوق السطح هذه المرة، من المحيط إلى الخليج، هذا التعبير التاريخي الذي كدنا أن ننساه، لا يكاد المرء يعثر مع دولة عربية واحدة لا تمور بمخاض عنيف، من نوع أو آخر".

 

ورغم اللبس المفتعل في معظمه الذي تسببت به مقالات "في عين العاصفة"، والقصائد التي كتبها الشاعر موازية لكتابته لتلك المقالات أثناء أزمة احتلال الكويت، وما تعبر عنه تلك المقالات والقصائد من موقف سياسي وفكري واضح ضد غزو العراق للكويت وضد أي غزو يتلبس لبوس الوحدة العربية في إطار مفاهيم القومية العربية من هذا النوع. لكن القصيبي لم يكن ليصمت أمام ذلك اللبس الذي تحول إلى اتهامات واضحة وصريحة له، فقد حفلت مقالاته الأخيرة في عين العاصفة بتوضيحات شتى لمن أراد أن يفهم. وكان يستغل كل مناسبة مهما كانت لتوضيح موقفه المبدئي الواضح أساسا.

 

في الأمسية الشعرية التي أحياها الشعر في الكويت في العام 2003م كانت من القصائد التي ألقاها وحيا بها الجمهور الكويتي قصيدة عنوانها "ولهانة"، وفي القصيدة تحدث القصيبي عن فتاة كويتية متأبية على شاعرها كما يبدو. وفي أحد أبياتها قال:

 

هل جاء جفنك من تكريت؟ أن به / شوقا الى قتل من يلقى من البشر

 

ورغم أن غازي القصيبي كان يلقي تلك القصيدة وسط جمهور كويتي متفاعل معه ومع الفكرة التي يحملها ذلك البيت الطريف إلا أنها لم يغفل عن الاعتذار لأهل تكريت، المدينة العراقية التي يعود صدام حسين في جذوره الأولى إليها، واتخذ منها الشاعر أيقونة للقسوة التي انعكست على صدام حسين وتصرفاته تجاه الكويتيين أثناء الغزو.

 

مع أن القصيبي نفسه، وفي إطار الشعر أيضا، كتب قصيدته المطولة "مرثية فارس سابق"، في خضم الغزو العراقي للكويت وحرب تحريرها لاحقا حافلة بكل المعاني السياسية التي تعبر عن وجهة نظره بوضوح ومباشرة أضعفت فنية القصيدة نفسها كثيرا، ولم يكن غازي ليحفل بتلك الفنية الضحية في سبيل تعالقه السياسي يومها مع القضية كلها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.