شعار قسم مدونات

قيود المجتمع.. كيف تحاصرنا الأعراف الاجتماعية؟

blogs - لشارع المصري
كان يا ما كان.. عٌرف في بلدي أنه بقي كما كان.. في مجتمعي المتنوع الذي تتفاوت منازله في ترفها وفقرها كما تتفاوت قصص ساكنيها أيضا، مجتمع أنهكته الصراعات عقوداً من الزمان فهل يا ترى بخرت الحروب الفوارق الدنيوية بيننا أم ما زلنا في دهاليز التفاوت ضائعين وتحت خنقة الأعراف بائسين. تلك الحدود الاجتماعية الثقيلة التي ترقد على صدورنا بما فيها من آمال ورغبات بل بما فيها من حقوق مُوجِبة!
إن العُرف العربي سرٌ لا يفتأ العرب في اكتشافه يوماً تلو آخر ويقرأون فيه عبقريتهم وعنادهم وغباءهم على حدٍ سواء.. ما أصل هذا العُرف ومن أين يستمد كل هذه القوة التي تغلب المعتقدات والمنطق والعلم والقانون والفن؟ أهي القبيلة؟! أيعُقل أن يكون مصدر قوته هو ما نواريه اليوم خلف أثواب التحضر والحداثة بل إننا نفضناه من علينا حين أقبل الإسلام مساوياً وموحداً لجميعنا.

إن الأعراف المائلة في مجتمعنا العربي كثيرةٌ جداً حيث لا ينبغي عليَّ الغرق في حصرها لقومٍ أعلم مني بها، لذا ليست هي ذاتها مصدر الاهتمام هنا بل الأداة المنتجة لها ومصدر قوتها واستمراريتها وتطورها الذي يمضي بثقة نحو الرجعية المجتمعية والثقافية والإنسانية. يلزمنا أولاً معرفة الفرق بين العُرف كأداة وبين العُرف كمحتوى قائم ومٌلزم للشعوب وطرح السؤال هل هناك حقاً تداخل بينهما؟ حين نعرف تلك الإجابة سنتبصر كثيراً في حل القيد الذي وضعنا أيدينا فيه.

بدايةً حتى نفهم لنغض الطرف في هذا الموضع عن العلاقة ما بين العرف والدين، فالعُرف سابق للإسلام وشامل لغير المسلمين ولاحق لمن تخلو عما ألزمهم الدين به وتمسكوا بالعُرف، بالإضافة إلى أن هذه العلاقة تحتاج لأن تأخذ حقها الكامل في الطرح في غير هذا الموضع. حين نذهب لرؤية العُرف كأداة فنجد أن علماء النفس والاجتماع يعدّون العُرف " طبيعة ثانية" لشدة ما تألفه النفس البشرية، ويعتبر العُرف أداة لمراقبة الفعل الاجتماعي بهدف ضبط حركته وتحقيق المصالح العامة فيه وفي هذا الشأن توجب تجدد الأعراف وتغيرها فيما يقتضي تحقيق تلك المصالح وما أُطلق عليه في هذا السياق "الحاجة العامة" ومن شروطه أيضاً أن يكون مظهراً من مظاهر الفطرة البشرية ويمثل الحال الذي بداخل الإنسان.

أصبحنا مختلفون في الأمثال والحكايات والأساطير وأعراف العمل والتجارة ومظاهر الحياة اليومية والشخصية! فهل أعرافنا اليوم هي حقاً ما استقرينا عليه في تصرفاتنا المجتمعية؟

ولو تأملنا العُرف كمحتوى حالي لوجدناه قوانين وقواعد صارمة جداً تُلزمك باتباعها سواء كانت تلائمك أم لا، وتملصك منها يعد خروجاً سافراً عن المجتمع برمته! ويبقى السؤال هل هناك تداخل بين العُرف كأداة وكمحتوى؟ سؤال إجابته ستغدو في ضوء ما سبق جليةً وتٌكون لدينا مفهوم جديد عن العُرف المجتمعي اليوم.. فهل وجدتْ عزيزي القارئ الإجابة؟! إن العُرف السائد دائماً هو نتاج مُحيطه، المحيط الاجتماعي أولاً ويليه السياسي والثقافي والعقائدي ولنتفق أيضاً أنه غالباً ما يقف مجابهاً للفنون والحرية والتجديد، بمعنى أنهُ نتاج لطرق تفكير هذا المجتمع وبالتالي أحد أهم محدداته المستقبلية ومن منظور آخر الأعراف ليست هي المحيط نفسه وليست قضاياه واحتياجاته هي فقط أتت بواسطته!

فـبرغم تنصل الجميع منه ورفضه فكرياً إلا أن لا أحد يمتلك القوة لنكرانه، الأمر يبدو غير منطقي وسخيف ولكنه هكذا، يدفعك للتعجب كيف لمجتمع أن يُنتج عُرفاً يمثل عائقاً كبيراً أمام تقدمه على عدة مستويات، لا يقتصر الأمر على إنتاجه فقط وإنما يتجاوز هذا ليضعهُ في منزلة قداسة مجهولة الهوية فلا تحمل في طياتها سوى كونها عُرفاً!! ونبقى في دوامة التساؤل هل العُرف شيءٌ منِّا أم نحن شيءٌ منه؟! حسناً.. إن هذا التخبط والتشعب والحيرة ستدفعنا لسؤال أكثر بساطة: ما معنى كلمة عٌرف؟ "هو العادة وما استقر عليه الناس في تصرفاتهم في المجتمع"ولو تجاوزنا الآن نقطة أنهُ اليوم مصدر خلاف متأجج في المجتمعات فنحن أولاً لا نعرف من أين يستمد اليوم موافقة الناس وفي الأساس غالبه متوارث وإن استقر عليه أُناس سابقون فلمَّ تُفرض موافقتهم علينا اليوم، لم لا نُسأل اليوم ويكون لنا الحق في أن نستقر عليه أم لا؟!

لنعد إلى النقطة المتجاوزة فهو اليوم مصدر خلاف تجاوز نقاط الأعراف التي تأخذ النمط الذي يحوي حُكماً "صائبا أو خاطئا"، إلى مرحلة أننا أصبحنا مختلفون في الأمثال والحكايات والأساطير وأعراف العمل والتجارة ومظاهر الحياة اليومية والشخصية! فهل أعرافنا اليوم هي حقاً ما استقرينا عليه في تصرفاتنا المجتمعية؟ وهل غياب استقرارنا على محتواه يسلبهُ مُسماه وقداسته كونه عُرفاً؟ وإن سُلب مسماه وقداسته هل حقاً سنتجاوزه؟ أم أننا سنخلق من ظلاله مسمىً جديداً نواري خلفه ضعفنا الذاتي وفشلنا في مواجهة الجديد في الحياة ومخاوفنا تجاهه، ونبقى في دهاليز ما ننتجه ليوارينا تحت ثرى الحرية؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.