شعار قسم مدونات

يوسف الثقة

Blogs-Sitting

في كل مرة نصاب بالوهن في هذه الدنيا، نبحث عما نرتكز إليه، يختلف كل منا في الوسيلة التي يبحث عنها، لكننا نجتمع في المقصد ذاته، طلب القوة للاستمرارية، ووسيلتي في كل مرة أتوه بها أو أضعف يوسف.

     

لا أعلم ما الذي يدفعني إلى هذه السورة عما سواها، عن هذا النبي عما سواه، لكنني في كل مرة أقرأه بها، أجد شيئاً ما بداخلي يكبر، وكأنني شجرة تتخلى عنها الأرض فتجف أوراقها، فيرسل الله إليها المطر على هيئة يوسف، فتكتسب شيئاً من جماله، فتنبت زرعاً مختلفاً ألوانه، وبعد النعم هذه كلها، تتحول الشجرة إلى قلم وورقة، محاولة وصف جمال لون واحد من ألوان الزرع، عل أحدهم تعجبه شتلة، فيبحث في البستان عن المزيد، فيتحول بعد ذلك لشجرة أخرى تعين على إعمار الأرض، فيكون رصيداً لي في ميزان شكر الخالق على المطر والشجر، على يوسف وجمال زرعه.

        

يمر في حياتنا أشخاص كثر، منهم من يكون عوناً ونصيراً، ومنهم من يكون شراً وضيقاً. الصنف الأول لا ينتظر شكراً ولا تبجيلاً، همه هو أنت، يدعو لك ويتمنى لك الخير دائما، أقصى أمنياته أن يكون سبباً في سعادتك ونجاحك، فمتى لاحظت قرب أحدهم منك تمسك به جيداً، لا تغرنك ألوان الصنف الآخر، فهم كالزواحف التي تتغير جلودهم بما ينفع مصلحتهم، تراهم يتكاثرون حولك كوباء، يبحثون عن تجمعات تزيدهم قوة، همهم إضعافك، تندرج قوتهم في خانتين لا ثالث لها، جسدية ونفسية، الجسدية إن أصابتك فالزمن يتكفل بشفاء ندوبك، أما إن أصابتك النفسية فلا زمان يشفي ولا مكان يأوي، هو حل واحد أخشى عليك ألا تعرفه أو ربما تتجاهله، فتمكث في البئر الذي رموك فيه حتى نهاية المطاف. 

          

لا تحتاج لئن يسمعك أحد، ففي السماء خالق يسمع أنين قلبك ويرى مكر الناس حولك، فسلم أمرك للذي يسمع ويرى، وليكن قلبك سكناً للثقة بمن خلقك، فلا غالب إلا هو، ولا ناصر إلا هو، ولا ولي إلا هو
لا تحتاج لئن يسمعك أحد، ففي السماء خالق يسمع أنين قلبك ويرى مكر الناس حولك، فسلم أمرك للذي يسمع ويرى، وليكن قلبك سكناً للثقة بمن خلقك، فلا غالب إلا هو، ولا ناصر إلا هو، ولا ولي إلا هو
           
لمن يدعي أنه لم يتعرض لوباء القوة النفسية فليمكث في ظنونه القدر الذي يشاء، لكن هذا لا ينفي أنه لم يتعرض له مطلقاً، فلا بد وأن شعرت بثقل يجتاح تجويف صدرك حالما سمعت كلمة من أحدهم بينما كان يبتسم محاولاً إخفاء السواد الذي يغمر قلبه، ولا بد أن سقطت من علو برج طموحاتك عندما هدمها أحدهم بالسم الذي نفثه على برجك المنيع، لطالما كان منيعا دون قربهم، لكن كيف يبقى منيعاً مع شرهم المخفي أسفل جلودهم المتلونة؟

         

في يوسف ترى كيف اجتمع إخوته عليه ليخل لهم وجه أبيهم، وكان الله غالبا على أمره بأن يبقى حب يعقوب ليوسف على مر السنين، ترى كيف ألقوه في قاع البئر وغلب أمر الله ليكون يوسف ملكاً، ترى كيف أراد إخوته أن يهان فكان أمر الله غالباً أن يأمر عزيز مصر امرأته بأن تكرمه، وترى كيف أرادت امرأة العزيز الضر به فكان أمر الله غالبا بأن يكشف ضرها، وترى كيف حاول يوسف تخليص نفسه من السجن وكان أمر الله غالبا بأن يخرج دون عون أحد، وترى كيف طلب يعقوب من بنيه بأن يدخلوا من أبواب متفرقة خشية أن يصيبهم أذى وكان أمر الله غالباً أن يرجعوا وقد نقص عددهم واحداً، وفي هذا كله تدرك أنك اليوسف في زمان ومكان مختلفين، يصيبك الوباء الذي أصاب يوسف، فإما تضعف من جديد فيهدم بناؤك، وإما تثق بخالقك وخالق يوسف.

          

تردد في كل مرة تتعرض بها لوباء بكلمات من تلك السورة "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"، لا تحتاج لئن يسمعك أحد، ففي السماء خالق يسمع أنين قلبك ويرى مكر الناس حولك، فسلم أمرك للذي يسمع ويرى، وليكن قلبك سكناً للثقة بمن خلقك، فلا غالب إلا هو، ولا ناصر إلا هو، ولا ولي إلا هو.  لمن يظن أن الأنبياء أوتوا من الثقة ما لم يؤت بها بشر غيرهم، أقول بأني قد طبقت درس الثقة في قصة يوسف عملياً، ومن حينها لم يهدم لي بناء قط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.