شعار قسم مدونات

طير إبراهيم.. وحال قلبي

blogs - طائر وقت الغروب
عزيزتي القارئة.. عزيزي القارئ.. إن لم يكن هناك في داخلك مساحة محايدة لتساؤلات الوجود والحياة، وغابة بنفسجية مزدهرة باقية فيك من براء الطفولة وشجاعتها ودهشتها، فلا تضيع وقتك في قراءة هذه التدوينة. 

حين سأل النبي ابراهيم ربه عن برهان ما يؤكد قدرته الإلهية، أو ربما وجوده! كان رد ربنا عليه: (أَوَلَـمْ تـُؤْمِـنْ)؟! وأظن -وبحر الظنون كبير- أن سؤاله لم يكن سوى لحث إبراهيم على البوح بما يعتلي صدره ويدور في عقله في تلك اللحظة أمام حضرة الإله العظيم، ورغم أن الله يعلم بحال نبيه، ويعلم تماماً السبب ويعلم ما سوف يقوله له، ومع ذلك سأل كالمستفسر، كان جواب إبراهيم: (بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي).
يا لهذه الإجابة البسيطة والصادقة واللطيفة التي قالها النبي الجميل في حضرة ملك السموات والأرض، خالق الكون كله، إجابة عفوية وتلقائية لم يتبعها بألف مبرر، ولا تم حشوها بعشرات الأحرف والكلمات، ولا بهروب سريع! لم يتردد ولم يخف من أن سؤاله أولاً عن برهان المعجزة الإلهية، ثم ثانياً جوابه على سؤال الله (أَوَلَـمْ تـُؤْمِـنْ) قد تُحدث سوء فهم بينهما وغضبا إلهيا قد يحرمه من محبة الله ورحمته إلى الأبد! هي فقط (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)، قالها وكأن له الحق في ذلك، الحق في تجربة السؤال مع خالقه وإن حتى لم يحظ بالجواب!

وكم من إنسان فاقد لاطمئنان القلب في هذا الزمان المتقلب والموحش، الذي أصبح يحرق كل ما هو جميل فينا ويحوله إلى رماد منثور، ويجفف ينابيع الأمل والحب في كل زواية من زوايا الحياة، كم من إنسان اليوم، يقف وقفة إبراهيم تلك أمام الله وأمام نفسه، غارق في بحر الشعور بالضياع، وانعدام الأمان والثقة ينهش روحه وقلبه، وعقله يصارع فكرتين اثنتين، ولكن تتفرع منهما ألف خاطرة وألف عاقبة وألف سؤال! يسأل الله أن يمنحه بعض السلام، بعض النور، أن يمنحنه القوة ليشارك بعضا مما يجول في خاطره مع بشر مثله.

أحتاج إلى أن أؤمن بأن هناك شيئا أكبر مني، شيئا جميلا ومذهلا وبديعا سوف يحدث، يستحق كل هذا العناء والألم والانتظار الطويل، وقد لا أعيشه ولا أدركه ولكنني أؤمن أنني جزء منه

ولكن لكونه يعيش في دائرة تعج بأشخاص يكفرونك ويجردونك من حقك في الحياة بسرعة البرق ويعدمونك بعدها بدم بارد، وكأن يد الله العليا هي التي من أمسكت بمقبض السيف الحاد الذي قطعوا به رأسك وأهدروا به دمك عبثاً! لذا فأنت تخشى السؤال، تخشى البحث عن الإجابات والحقائق، وتسجن -رغماً عنك- أفكارك ونزعات روحك في داخلك وكأنها لم تكن، كل ليلة، وتتهم نفسك أحيانا بالعصيان وانعدام الوفاء والولاء للرب، الذي قد أعطاك الكثير الكثير. ليقتلك تأنيب ضميرك من الجهة الأخرى!

ألا يتعجب أحدكم في لحظة شاردة من مقصد الله من وضع تلك العقول القوية والذكية في رؤوسنا، تلك التي قد تُشككُ في وجوده وكيانه أو في أسلوب إدارته لهذا العالم، ولحياتنا كجماعات وكأفراد! وهل تختلف عقولنا عن عقول هؤلاء المتحدثين باسم الله، وبكلمة الله، وبقصد الله؟

طالما أن الله لم يكفر ولم يغضب ولم يستأ من إبراهيم حين سأله معجزة ما، تجعل قلبه المضطرب أن يطمئن لوجود الله، لقدرته على إحياء الموتى وعلى صنع المعجزات العظيمة، فأنا أحتاج بشدة لأن أخبر الله، لأنني أريد أن أسمع صوته واضحا نقياً وسط كل هذا الضجيج المزعج والألم والضياع، أحتاج ذلك ليطمئن قلبي فقط.

أحتاج ذلك أكثر من أي وقت مضى في حياتي أن يطمئن قلبي، ليس لأنني أنكر وجوده، بل ليطمئن قلبي بأن الله يراني أنا، ويسمعني من بين كل هذه المليارات من البشر والكائنات التي تسكن السماء الممتدة والأرض العامرة والبحور العميقة، والكون الممتد والغامض، يعرفني لشخصي، يعرفني كفرد أضناه التعب والقهر والشعور بالتيه في دهاليز القدر المكتوب، ليطمئن قلبي، بأن كل هذا العناء المستمر يستحق كل هذا الانتظار الملعون الذي يقتلنا رويداً رويدا بلا رحمة.

أحتاج إلى أن أؤمن بأن هناك شيئا أكبر مني، شيئا جميلا ومذهلا وبديعا سوف يحدث، يستحق كل هذا العناء والألم والانتظار الطويل، وقد لا أعيشه ولا أدركه ولكنني أؤمن أنني جزء منه وأن لي فائدة ومعنى فيه!

يكفيني (اطمئنان قلب) بأن الله يحبني ويسمعني ويحن علي، ليطمئن قلبي بأن الله قادر على إعطائي النور والسلام اللذين سوف يساعداني على أن أرضى بقدري وحياتي وألمي كما يجب أن يكون!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان