وحين صرخت السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في وجه قاتله عبد الرحمن بن ملجم وهي تردد: "يا قاتل أمير المؤمنين رد عليها بقوله: أنا قاتل أبيك لا قاتل أمير المؤمنين"، وهذا لأنه كان من الخوارج التي خرجت عليه بعد قبوله التحكيم، ومما سبق ذكره نستخلص أهمية دلالة الألفاظ والعبارات في صياغة المعاني والمضامين اللغوية والبيانية وما تعبر عنه وترتبط به من مسائل دينية أو تاريخية أو سياسية أو علمية أو حتى اجتماعية.
هل تقيدت الأهرام بالمعني اللغوي فقط لكلمة، فتح، حتى تضع الطاغية المحتل جنكيز خان والفاتح العربي عمرو بن العاص في مرتبة واحدة، تأسيسا على أن كلمة فتح لغة تعني في أحد معانيها، فتح البلاد! |
وهذا هو المعمول به والمتفق عليه في كافة اللغات ومختلف العصور، فرجالات الحزب الوطني القديم كانت ترفض عبارة: الاستقلال التام في البيانات والمنشورات التي تطبع وتوزع على الشعب المصري إبان الاحتلال الإنجليزي لما تحمله كلمة، التام، من معاني ودلالات، تعني رفض التبعية التركية التي لم يكن يعتبرها الحزب الوطني علاقة تبعية لولاية بسلطنة، بل علاقة مصر من الأمصار بدار الخلافة الإسلامية العثمانية، وهذه شواهد تاريخية بارزة تؤكد أهمية المصطلحات والنعوت والأوصاف البلاغية والبيانية وأهمية دلالاتها وما تسقطه من معاني قد تغير بموجبها كثير من النتائج.
ولهذا السبب، كان ولا يزال من بين الشروط الواجب توافرها في كتاب رسائل الحكام والخلفاء والأمراء والملوك وحتى وقتنا الحالي، توافر الدقة البلاغية في أسلوبه وحرفه وإلا وقع في شباك من هو أعلم منه بدقائق اللغة وجواهر البلاغة، كما وقع بن المقفع في شباك الداهية العباسي أبي جعفر المنصور فيما يخص رسالة عهد الأمان التي كتبها بن المقفع بخصوص عم المنصور الذي خرج عليه في دمشق وأعلن أحقيته في الخلافة منه، وقد قبل المنصور ما احتوته تلك الرسالة التي كتبها بن المقفع وعندما سلم عمه نفسه له أودعه السجن على الفور لأنه استأمنه على نفسه ودمه ولم يستأمنه على حريته.
وما سبق ذكره لا يختلف اثنان على أهميته وخطورته أيضا، ولكن جريدة الأهرام المصرية العملاقة والعتيقة خالفت ذلك المعنى بتشريف مجرم طاغية وتكريمه بلقب الفاتح، ففي نسختها الورقية، الطبعة الثالثة، من عدد الجمعة، رقم 47737 الصادر في 18 أغسطس لسنة 2017م، ص 38، في الفقرة الثابتة المعنونة بحدث في مثل هذا اليوم، تذكر الأهرام: ذكرى وفاة الفاتح المغولي جنكيز خان عن 60 عاما.
ولذلك التشريف الغريب من جريدة عتيقة تصدر في الأرض التي أوقفت زحف طاعون المغول على البشرية وكانت لها الضربة القاصمة في تفكيك تلك الإمبراطورية الهمجية البربرية، نتائج خطيرة جدا لا تتوقف فقط عند منح طاغية ومجرم لقبا لا يستحقه، بل فيه مساواة في النعوت وتكييف الفعل بين جنكيز خان والفاتح العربي عمرو بن العاص على سبيل المثال، فما الذي كان يحمله جنكيز خان للبشرية؟ لاشيء سوى الدمار والتدمير وسفك الدماء.
فهل تقيدت الأهرام بالمعني اللغوي فقط لكلمة، فتح، حتى تضع الطاغية المحتل جنكيز خان والفاتح العربي عمرو بن العاص في مرتبة واحدة، تأسيسا على أن كلمة فتح لغة تعني في أحد معانيها، فتح البلاد، أي دخلها بعد أن غلب أهلها وأخضعها لسلطته، أو الاستيلاء على بلد عن طريق الحرب، خاصة وجنكيز خان لم يكن في يمينه ديانة يهدف إلى نشرها كعمرو ولا حتى حضارة يدعو إلى تعميمها كالإسكندر المقدوني، فما كان إلا رجلا سفاكا للدماء، شديد البأس، لديه القدرة الفائقة في تجميع الناس حوله.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.