كانت هذه نبذة عن المعاناة التي تعيشها أم حرمت نعمة الأطفال، نعم هي أم وإن لم تنجب! فالأنثى تولد وفي أعماقها بذرة أمومة تنمو مع مرور السنوات، فإن هي رزقت بأبناء وكانت على قدر من المسؤولية، كان لهم الحظ الأوفر من العطاء. وإن لم ترزق، نثرت حنانها وعبير حبها في دروب من حولها، لتغدو أشبه بمنبع ماء زلال لا يجف، يسقي كل عطشان مر بجانبه.
من يسألون بنهمٍ، يُتعبون الأرواح باستفساراتهم الفضولية، يجرحون الأحاسيس بإلقاء أحكام جاهزة، تريحهم أذية الناس، ويتناسون أنها ضعف وهزيمة |
والحقيقة أن كل فتاة تداعب حلم الأمومة منذ نعومة أظافرها، فتجدها تمارس دور الأم مع لعبتها ثم مع إخوتها الصغار في وقت لاحق، فتقوم برعايتهم والاهتمام بكل تفاصيل حياتهم، وبالتالي فإحساسها بالأمومة غريزي وليس له علاقة بالإنجاب، كما يقول يوسف زيدان: "الأمومة طبيعة، والأبوة ثقافة. الأمومة يقين، والأبوة غلبة ظن. الأمومة أصل في الأنثى، والأبوة فرع مكتسب".
لكن مجتمعاتنا، وللأسف! تأبى إلا أن تحصر دور المرأة في الإنجاب ولا شيء غير ذلك. تجعلها تتخبط في شقاء نفسي، ذنبها الوحيد أنها ولدت في وسط لا يفهم سوى ما يعرفه، يربكه الاختلاف كثيرا، لا أعمم، بل أخاطب تلك الفئة التواقة لمعرفة أدق التفاصيل عن حياة الآخرين، من يسألون بنهمٍ، يُتعبون الأرواح باستفساراتهم الفضولية، يجرحون الأحاسيس بإلقاء أحكام جاهزة، تريحهم أذية الناس، ويتناسون أنها ضعف وهزيمة.. أقول لهم، رفقا بأم لم تنجب، رفقا بقلب أصابته الهشاشة ونحته الألم.
إن الله عادل جدا والأقوى من ذلك أنه كريم رحيم، لكن زاوية النظر هي ما يغير تقبلنا لأقدار نجهل الحكمة من ورائها، فقيمة ما نناله أو نحرم منه ليست في الأشياء بل في الطريقة التي نتعامل بها مع الأشياء. يكفي أن نكون ذوي صبر ورباطة جأش، ألاَّ نجعل السعادة رهينة بوضع معين بل نخلقها من تفاصيل ما نملك.
إلى كل الأمهات، إلى كل القديسات الحلوات، سلاما ووردة، ابحثوا عنهن، ضموهن إلى صدوركم وقبلوا أيديهن، كل يوم وكل نساء الأرض أمهات جميلات.. وإن لم ينجبن.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.