شعار قسم مدونات

الخليج.. الحصار وبداية الانهيار

blogs أزمة قطر

في نهايات القرن الماضي وبدايات القرن الحالي قامت بعض دول الخليج برسم سياسة خاصة بها على المستوى الداخلي والخارجي وذلك كطفرة في مظاهر الاستقلال عن الهيمنة الأمريكية على المنطقة وقد تباينت المواقف للدول المتداخلة في أزمة حصار قطر الحالية بين اليمين واليسار وبين الجماعي والفردي فعلى المستوى الجماعي قادت السعودية تكتلا بسياسات تم رسمها ضمن حدود مباركة أمريكية لضامن لأمن ومصالح دولة الاحتلال الإسرائيلية.

تدخل هذا التكتل في الأزمة المصرية مما أدى إلى إجهاض أول محاولة ديموقراطية خارج الهيمنة العسكرية منذ سقوط المليكة لتعود مصر ترزح تحت حكم العسكر الذي تأقلم مع وجوده الأنظمة الملكية العربية. من جديد يتدخل هذا التكتل في اليمن لتصل اليمن بعد ذلك إلى مأساة لم يشهدها اليمن من قبل على المستوى الفردي لهذه الدول كان واضحا للغاية التباين في مواقف قطر من ناحية والسعودية والإمارات من ناحية أخرى فقد ذهبت الإمارات والسعودية إلى تجريم المقاومة الفلسطينية وتهيئة الأجواء الرسمية والشعبية لذلك في حين ذهبت قطر إلى مساحات أخرى من دعم المقاومة الفلسطينية على كافة الأصعدة مما جعل ذلك حالة تباين وصل به الحال لحالة إعلان حرب.

 

فمثلا تذكر بعض التقارير دور الإمارات في دعم شراء منازل في القدس المحتلة لصالح الاحتلال الصهيوني ومن ناحية أخرى استقبالها للهارب من العدالة الفلسطينية محمد دحلان ورجل إسرائيل المفضل وإعطائه الغطاء للتحرك الدولي ليصبح موجها للسياسة الإماراتية وعلى الضفة الأخرى استقبلت الدوحة خالد مشعل والشيخ القرضاوي فأصبحت السياسات الشيء هنا ونقيضه هناك.

من المستغرب غياب دور مجلس التعاون الخليجي وعدم وجود بيان للمجلس حتى وإن تبنى وجهة نظر أخرى أما حالة الصمت فلا يتفهمها المتابع للأزمة
من المستغرب غياب دور مجلس التعاون الخليجي وعدم وجود بيان للمجلس حتى وإن تبنى وجهة نظر أخرى أما حالة الصمت فلا يتفهمها المتابع للأزمة
 

ذهبت قطر لسياسات خاصة بها غير متفقة في بعضها مع السياسات السعودية والإماراتية وتطبق بالأليات وأدوات غير التي اعتادت عليها المنطقة وقد تكون تم ترتيبها بتفاهمات خاصة مع القوى المهيمنة على المنطقة غير تلك التي عقدت مع السعودية والإمارات وبدون تنسيق معهما وبنظرة سريعة نجد أن الخلاف بين قطر ودول الحصار يأتي بشكل أساسي في إطار حرب المنافسة على الريادة حيث أن الإنجازات القطرية على المستويات الداخلية والخارجية جعلت الدول المحاصرة في حالة عدم ارتياح فمثلا مقارنة المميزات التي تقدمها الدولة التي يتمتع بها المواطن القطري مقارنة مع المواطن السعودي يعطي شاهدا على حالة المنافسة على الريادة ومن جانب أخر فإن تقدم قطر لقيادة الفكر الشعبي والنخبوي العربي والمسلم دونا عن الإمارات التي اختارت الوقوف في الجانب الأخر جعل المنافسة على الريادة من أهم مسببات الخلاف.

 

إن الحصار الذي تم فرضه على قطر يظهر جليا أنه تم المضي فيه بشكل معد له بعناية ولكن على ما يبدو أنه تجاهل مرحلة التجاوب مع السيناريوهات المتوقعة والغير متوقعة مما أظهر فريق دول الحصار بالمرتبك وعدم الجهوزية ومن ناحية أخرى فان هذا الحصار لا يجعل من قطر دولة بلا أخطاء ولا يجعل من دول الحصار دولا بلا محطات صواب ولكن السياسات العامة لقطر تظهر أنها تسير في درب إعطاء مفردات وقيم جديدة لا تتواكب مع مفردات سياسات السعودية والإمارات والتي على ما يبدو أنهما صنفا هذه المفردات الجديدة كتهديد حقيقي لهما على المستويات الداخلية والخارجية.

 

لقد كان بالإمكان أن يذهب الخلاف إلى قطيعة دبلوماسية أو سحب سفراء أو إجراء أخر ولكن قساوة الحصار تظهر بشكل جلي مدى الألم الذي أحدثته المفردات والقيم الجديدة التي تطرحها قطر. من الواضح أن لهذا الحصار العديد من المضار التي لا تخفى على أحد ولكن من الإجحاف أن يتهم هذا الحصار أنه بلا إيجابيات والتي قد يكون منها:

1- إظهار ضعف التحالف الخليجي وأن المصالح ممكن أن تتضارب وأن الخلاف قد يذهب إلى بدايات حرب وأن الشعوب والحكومات تتفاوت تفاوتا جوهريا حيال القضايا الجوهرية مثل الإسلام والعروبة والأمن القومي والسيادة والحرية والتعبير عن الرأي.

2- غياب المبادرات الشعبية والنخبوية يطرح تساؤلا عن دور النخب الأكاديمية والدينية والاجتماعية والاقتصادية في توجيه مكونات المفردات السياسية والقرار في الدولة في منطقة الخليج.

3- غياب دور مجلس التعاون الخليجي فمن المستغرب عدم وجود بيان للمجلس حتى وأن تبنى وجهة نظر على أخرى أما حالة الصمت فلا يتفهمها المتابع للأزمة أيضا الملاحظ أن الموقع الإلكتروني للمجلس تجاهل قطر من أخباره فبالبحث عن كلمة قطر في الموقع في قسم الأخبار يعود بك إلى الشهر الخامس من العام الجاري.

4- إن مهاجمة السعودية للمقاومة الفلسطينية بشكل مباشر وصريح قد شكل صدمة لدى النخب والشعوب العربية والإسلامية مما يجعل بأن التفكير بأن هناك دولة عميقة تدير صناعة القرار في هذا البلد الكبير بمباركة القوى المهيمنة على المنطقة هذه المفردات بحاجة لرأي المواطن في السعودية.

5- سمحت حالة الحصار لقطر بمعرفة المكامن والمواقع الأكثر احتياجا للتدعيم والاهتمام ومعرفة الصديق من العدو ومعرفة رؤية رسم سياستها المستقبلية بعيدا عن الأوهام التي لا تستند إلى الاختبار اليوم الاختبار حصل وتعرضت له كافة المسارات فمن السهل معرفة الصورة للخطط والمسارات الاستراتيجية.

يبدو أن إصرار دولة الإمارات على إخضاع قطر سوف يطيل فترة الحصار ويكرس أضراره وسلبياته وقد يكمن الحل في تحييد السعودية بجهود دبلوماسية من حلف الحصار
يبدو أن إصرار دولة الإمارات على إخضاع قطر سوف يطيل فترة الحصار ويكرس أضراره وسلبياته وقد يكمن الحل في تحييد السعودية بجهود دبلوماسية من حلف الحصار

6- هذه المحطة قد تشكل علامة فارقة للسعودية بحيث أن الدور الذي وضعت فيه لا يتناسب مع دورها المفترض أنه ريادي للأمة الإسلامية والعربية وقد يتفق المتابعون أن انسياق السعودية لهذا المربع قد قلل من مكانتها ودورها.

7- على المستوى النخبوي والشعبي العربي والإسلامي يبدو أن دول الحصار تتعرض لانحسار في القبول العام سيترجم في ظروف وأوقات ومسارات متعددة.

8- بات من المتفق عليه أن خريطة العلاقات والمصالح حتى وفي إطار أي حل لن تعود لسابق عهدها فهناك خريطة أخرى رسمت وترسم ولعل ذلك يكون محفزا لمزيد من التطوير والإصلاح والحريات في المنطقة بشكل عام.

9- من دروس التاريخ والعبر أن من يتبنى أبناءه ويتكلم لغتهم ويحمي دينهم ويحترم رأيهم ويعطيهم الحرية التي هي حقهم فإنه يحمي نفسه ووطنه بسور من محبة شعبه في حين أن من ينفذ رغبات خارجية بعيدا عن مصالح شعبه وأبنائه فقد يكون الخاسر الأكبر ففي اللحظات الحالكة لا الخارج سيحميه ولا الداخل سيقبله.

نهاية يبدو أن إصرار دولة الإمارات على إخضاع قطر سوف يطيل فترة الحصار ويكرس أضراره وسلبياته وقد يكمن الحل في تحييد السعودية بجهود دبلوماسية من حلف الحصار التي تبدو الأقل شراهة في كسر وإخضاع قطر حفظ الله الخليج ودام وحدته وأعاد قادته إلى جادة الصواب.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان