تخالك حينها مثلما الموج المتلاطم على أعتاب الحياة، ملقيا على أسوارها بثورة نفسك، راكبا إلى باطن بابها المراكب وقد وددت لو وصلت شفاهك بجباه نورها ولثمت أزهارها بقبلات الصباح الباردة، ونعم لك ذلك إن أنت أحسنت قراءة رسائل الله إليك، ولو ابتغيتَ مني أن أوجز لك تعريف الحياة في كلمة فأقولها بملئ الفيه أن الحياة هي رسائل، الحياة هي رسالة في حد ذاتها يتوجب عليك حسن استيساغها ويتوقف نجاحك في حياتك على فك رموز هذه الرسائل، فما آمنت قط بشأن من قبل قدر إيماني بصدق وفاعلية هذه الأخيرة.
ما أعجب أنك تتساءل الآن عن ماهية هذه الرسائل؟ لكن صبرا، فرضا لو أنك خضت عراكا مع أحدهم فتلفظ إليك بكلام قد وقع من نفسك موقعا غير ليّنٍ فما أنت فاعل؟ ربما ستجيب أنك سترد له كلامه مثلا وضِعفا وصاعه صاعين لكن الأسلم في هذا الحالة أن تهدأ، نعم اهدأ، ثم ماذا؟ ثم أنصت إلى الرسالة التي يبتغي ايصالها إليك، فلربما بودّه افهامك أنه مهموم وسيء المزاج هذه الأيام أو أنه يردّ لك الفعل عن خطأ بدر منك إليه ذات لحظة فنضح الكأس أو أنه يحبك لكنك تضغط عليه أحيانا، فأنت إذن بكذا فعل قد سيطرت عليه وعلى نفسك ومسكت زمام الأمور.
الآن ماذا لو أخبرتك أن تتخيل أن هذا الشخص الذي أنت مقارعٌ هو الحياة، هي تصارعك وتلقي عليك بالنبال والصخر والنار وأنت هادئ منصت إلى رسائلها الدفينة بين إيقاع ضرباتها وصرخاتها في وجهك، لكن ما قد تفعل هذه الرسائل؟ إيجازا في كلمة، هي تدفعك نوعا ما. فلو تمليت في أغوار نفسك وأحسست من عليها بضغط تتفاوت قوته فتمهل وكن متأهبا حينئذ لتلقي رسائل الله إليك، إذ هي تضغط عليك وتدفعك للسعي والتحرك ورد الفعل بروية وحكمة وإدارة الأمور بعقلانية ورشد، وهذا هو أسلوب الحياة في الإرشاد والقيادة فاعقله، ما من عشوائية أو عبث وغوغاء يكتنف الحياة الدنيا بل كل شيء يسير في منحى ما لسبب ما ولحكمة ما.
إن أنت قد فشلت في ذات حين في تحقيق مرادك أو ما أفنيت حياتك من أجله فاهدأ ولا تبتئس وخذ لك دقيقة من وقتك تقرأ فيها رسالة الله إليك التي ربما مفادها أن الله مُبتليك ليعوّضك خيرا مما كنت ستحصل لو نجحت في الأولى أو ربما لكان نجاحك ذاك سيجني عليك بعض المشاكل لا تعلمها الله يعلمها أو ربما يريدك الله أن تعدل من خطتك ولا تيأس لكي تكون مستحقا للمكافأة التي أعدّها لك بعد حين، إن أنت فشلت في علاقتك مع أحدهم فهوّن عليك واقرأ الرسالة التي ربما تملي عليك أن تبحث عن علاقات جديدة أكثر صدقا وجدية تدفعك إلى الأمام فلربما هذا الشخص الذي عنه انفصلت كان سيدرّ عليك بالمتاعب وكسر الخاطر والسوء ما لا تعلمه فارضِ واهدأ.
إن أحسست نفسك كمن لا يهتدي لنفسه أي موضع من الأرض يقف عليك وأن الأمور تجري في غير صالحه وكل ما في الوجود مُجمع على التحرك ضده وعرقلته ودهسه والضغط عليه فما لك لتفعل غير أن تلجأ إلى ركن شديد لوحدك وتتمعن في ما سيخبرك به الله فلعل ما أنت تعيشه الآن هو مقدمة صغيرة تعيسة لنهاية عظيمة سعيدة أو لعلك يجب أن تحاول تعديل نظرتك للأمور والسعي لإيجاد الباب المفتوح الذي وهبه لك الله من حيث لا تدري وتحسن موازنة اختياراتك أو لعل في ذلك خيرا لك إذ أن هذا الألم سيهبك القوة الداخلية الصلبة والخبرة ببعض الدروس التي أبدا لن تتعلمها لو لم توضع في كذا موضع من الألم وأيضا فهو يطهر نفسك ويطرح من عليك الخوف والجبن بداخلك فتراك بمرور الأيام صرت شجاعا متينا قويا مستعدا للتحديات القادمة ولتلقي التعويض المستحق، فهذا يمثّل إحدى قوانين الكون التي لا غنى عنها ولن تجد لسنة الله تبديلا أو تحويلا.
اجعل دائرة تأثيرك تطغى على دائرة همومك ولتجعل لك وقتا أقل للتفكير بمشاكلك ووقتا أكثر لإيجاد الحلول لها وتعلُّم الدرس من ورائها |
إن أنت قد تمكن الضيق من صدرك وقد عجزت عن التنفس وما تدرك لذلك من سبب أو داع فاستمع إلى رسالة الله التي لعلها تدعوك للوقوف ببابه والاستغفار عن ذنب قد بدر منك وغفلت عنه وأن تلجأ إليه لا إلى غيره حتى تصفو نفسك ويطمئن قلبك. إن قد مررت وأحسست بأيٍّ من هذا أو بأيّ من غيره فسائل نفسك دوما "ما الذي يريد مني الله فهمه أو فعله في هذه الحالة؟ " إن أنت كنت قد أنهيت لتوك كتابة مقال مطوّل ثم إذ نشرته واتضح فيما بعد أن المدونة لم تحفظ بنجاح كما في حالتي الآن مع هذه التدوينة فلا تيأس أو يحبط عزمك فلربما كان المقال الذي ستعيد كتابته من جديد يكون أجمل بيانا وأقوى وقعا من الأول.
معنى وجوهر الرسالة هنا يتلخص في مبدأ عظيم وهو حسن الظن بالله الذي يعد من أعظم مبادئ ودروس الإسلام ومن أعظم ثمرات حسن الإيمان إن ملكته فقد ملكت الدنيا. وهو يرادف نوعا ما مصطلح التفاؤل المتعارف عليه في الحياة الاجتماعية ولكن يعظمه ببضع درجات.. فهو تفاؤل يشوبه الإيمان بحسن تدبير الله إذن فهو تفاؤل أعظم تتبعه طمأنينة راسخة بالقلب وثقة أعظم بالله وبالإمكانيات الداخلية، ولا تنس أبدا هذا الحديث للقدسي الرائع عميق المعنى واجعله لحياتك لواءً ومشعلا: "أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء". فليكن ظنك إذن خيرا ليجازيك الله بكل ما فيه خير.
اقرأ رسالة الله إليك، فليكن هذا شعارك من الآن الملازم لك في جميع خطوات حياتك، تحرّك واسعَ ولا تتوقف بل انهض وبادر بالتضحية وجازف وتجاوز حدود منطقة أمانك، اجعل دائرة تأثيرك تطغى على دائرة همومك ولتجعل لك وقتا أقل للتفكير بمشاكلك ووقتا أكثر لإيجاد الحلول لها وتعلُّم الدرس من ورائها، هذه رسالة الله العامة العظمى إليك في هذه الدنيا فافتح بصيرتك وبصرك من دونها، فقط اهدأ، اقرأ وتحرّك.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.