كتب على حيطان مزارعه "احذروا هذه منابع الإرهاب"، ومن ثم جيّش الجيوش وطير أحدث الطائرات وحرك أعظم البوارج لمحاربة وتدمير كل شيء يحيط بمزارعه الخصبة ماعدا الإرهاب وكيف يحاربه؟ |
وبالطبع كانت ثورات الربيع العربي الاختبار الأقسى لأقدام الاستعمار فبالرّغم من سعاره وهو يهوي بها على الشعوب العربية ويطحن عظام الثائرين عليه وعليها، تمكن الثوار من بتر بعضها تلك التي أصابها الشلل ولم تعد قادرة على أداء وظيفتها بالشكل الأمثل فسارع إلى نزع بسطاره منها وإلباسه لأقدام جديدة فتيه كانت أشد وأعتى وأسحق من سابقاتها وفي بلدان أخرى وقبل أن يتم بتر أقدامه بقليل وتُحرق بساطيرها سارع إلى تطبيبها وترميمها وإرسال المغيثين لها فقد أدرك أنها لطالما كانت القدم المخلصة الوفية ومهما بحث عن بديل لها ستظل الأسحق والأوفى وحتى لو تمزق بسطارها وظهرت الأصابع القذرة من داخله فالخرّاز الغربي دائما مستعد لترقيعه وحياكته ولما لا؟…فالاستعمار في النهاية لا يدفع شيئا من جيبه ولا مانع لديه من أن يتخلى عن قدر قليل من الثروات الجمة التي تجنيها له أذرعه وأقدامه من مقدرات الشعوب وكد يمينها وعرق جبينها وخضاب دمائها.
ولن يكون صعبا على الإعلام الغربي الخبير المتمرس أن يحيل الفيل إلى نملة وحبة القمح إلى دجاجة، فإذا بانت أنياب الذئب ملوثة بالدماء سارع إلى رسها ضواحكا تفيض حبورا وطيبة، وإذا اكتظّت الأرض بجثث الضحايا الأبرياء صورها ضواريا جبارة كانت تقتات على دماء الأطفال وقد أهلكتها قوى الطبيعة بعد أن طال بها الجوع، ولا ينكر أحد أن إعلام الغرب أقوى من كل البساطير العربية ولكن رغم سطوته وقدراته الكبيرة يبقى لكل دوره في مكانه وزمانه.
ولما كان الربيع العربي فوّاحا بعطور الحرية وشذا الورود الزكية كان على الاستعمار أن يعكر هذا الأريج الجميل، فشيد مزارعا كبيرة وأدار عليها كل أنابيب القاذورات العالمية لتكون مستنقعات تعجّ بكل أنواع الأمراض وتفوح بأقذر الروائح وتفرّخ كل أنواع الحشرات القاتلة، وكتب على حيطان مزارعه "احذروا هذه منابع الإرهاب"، ومن ثم جيّش الجيوش وطير أحدث الطائرات وحرك أعظم البوارج لمحاربة وتدمير كل شيء يحيط بمزارعه الخصبة ماعدا الإرهاب وكيف يحاربه؟ فهل سمعتم من قبل بصانع أصنام استفاق ذات يوم ليكسرها ويخسر المهنة التي يعتاش منها؟
ولا تستغربوا أن ينفق الغرب المليارات بزعمه محاربة تلك المزارع فتكلفة بناء المزرعة الواحدة تساوي آلاف الأضعاف المضاعفة مما يجنيه من الأموال التي تجمع بحجة مكافحتها، زد على ذلك ما يضع يده عليه من خيرات ومقدرات الشعوب العربية بنفس الحجة.
لن نحلم يوما بأن نتحرر من سلطة الاستعمار وسطوته إذا لم نصنع بساطيرنا العسكرية بأنفسنا وإذا لم ننزلها من على رؤوس عشاقها ونكسر أصنامها لننتعلها في مكانها الصحيح ألا وهو أقدامنا وعند ذلك بدل أن تسحقنا وتطحن عظامنا وتدمر أوطاننا وتكتسي نعالها بحمرة دمائنا تكون سلاحا لنا ندوس به كل من يفكر أن يتعدى علينا ويتجرّأ على حدودنا ولكن مع كل هذه الغوغاء وبكل هذه الحشود من عبدة البساطير هيهات.. هيهات أن يكون لنا ذلك.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.