شعار قسم مدونات

يا أيمن العتوم.. بأي قلمٍ كنت تكتب؟!

blogs أيمن العتوم
كنتُ أبحثُ في الأدب السّياسيّ، وفي غمرة ذلك، قادني البحث للتّعرف على أدب السجون، فانطرح أمامي مجموعةٌ من الرّوايات التي تناولت السجن والسجين وما يعانيهِ الإنسانُ خلالَ فترة السجن، فأحببت التّعرف على طريقة تعامل العالم مع السجين كإنسان أخطأ بحق الوطن، أو بحق الشّعب، أو كانَ له أيُّ تجاوز على أعراف المجتمع. وانطرح أمامي روايتان للشّاعر الأردني أيمن العتوم، كانت الأولى تحمل اسم (يا صاحبي السّجن) وكانت الثانية تحمل اسم (يسمعون حسيسها) وبدون اختيار بدأت برواية (يا صاحبي السجن).

كانت تلك الرّواية أشبهَ بمذكراتٍ شخصيةٍ كتبها الرّاوي أيمن العتوم عن تجربته في سجون بلدِه، حيثُ روى لنا قصةَ سجنِهِ المُمتدة حول ثمانية أشهر، تكلّم فيها عن كلِّ شيء حصل معه في السجن، راوياً معاناته بحروف الشّاعر الذي صوّر الحدث كأنني أراهُ، فكانتْ بذلك روايةً ممتعةً إلى حد كبير، وليس المقصود بالمتعة هنا إلا المتعة الأدبية، من حيث الحبكة والتصوير وقدرة الكاتب على نقل القارئ وإدارته حيث يشاء، وفي نهاية الرّواية شعرتُ أنني أعرف الكاتب معرفة شخصية، لقدرته على رسم تفاصيل جعلتني أشاركه تفاصيل حياته تلك.

أنهيتُ الرّواية الأولى، ثم طفتُ بأرجاء أوديسة هوميروس لأترك لنفسي فاصلاً بين روايتين تحملان نفس الموضوع، ثمَّ قفلتُ راجعاً إلى الرّواية الثانية (يسمعون حسيسها) وهنا كانت الصّاعقة، فمن أول صفحة في الرّواية يقطع الكاتب لك تذكرة إلى جهنم لتعيش عذاباتٍ ووحشية ما مرّت ببال إبليس.. تحكي الرواية قصة طبيب سوريٍّ في أول ثمانينيات القرن المنصرم، أُلقي القبض عليه، وبقي في فرع الخطيب في دمشق وهو فرع تابع للأمن العسكري، ثم بعد ذلك نُقل إلى سجن تدمر، وهناك يروي الطّبيب بقلم أيمن العتوم ما شاهده في سجن تدمر من مشاهد تُذهب العقل، وتفطّر القلب.

 اقرأ رواية (يا صاحبي السجن) ثم اقرأ رواية (يسمعون حسيسها) وإن شئت الاستزادة فلتقرأ رواية (القوقعة) لمصطفى خليفة، ثم بعد ذلك انظر في ملكوت السموات والأرض، هل ترى أصبر من الشعب السوري!

ولأنني كنتُ قد قرأتُ روايةَ (يا صاحبي السّجن) كنتُ أقفُ عند كلِّ حرفٍ، وأصرخ؛ (يا أيمنُ بأي قلمٍ كنت تكتب؟!) هل القلم نفسه الذي سطّر معاناة مساجين تدمر، هو نفسه القلم الذي سطر معاناتك في سجن الجويدة أو سجن سواقة؟ في السجون التي عاش فيها أيمن تجربته في (يا صاحبي السجن) كان الضّرب أمراً نادراً، والموت أمراً مستحيلاً، وكان الأكل متوفراً، وكانت الزّيارات من الأهل تتمّ في فترات متقاربة، لقد كان للسجين حقوق، تلك الحقوق كانت تُنال دون منّةٍ من أحد.

لكن السّجون التي عاش فيها الطبيب إياد، وروى عنه الشّاعر أيمن العتوم كانَ الموتُ أوّلَ سماتها، وكان الضّرب أنفاس حياتها، كان التّعذيب عقربَ ساعاتها، كانت الوحشية والتّشفي تطوفان على المساجين مع كلِّ طرفة عين، لم تكن العلاقة بين المساجين والسّجّانين علاقة عدوٍ بعدوه، بل كانت علاقة حاقدٍ ملأ الحقد أبعاده كلها بإنسان لا ذنب له إلا أنه وقع تحت براثن هذا الحاقد. تبادر إلى ذهني سؤلان؛ أولاهما: أيَّ الروايتين كتب أيمنُ أولا؟ وثانيهما: كيف استطاع الكاتب أن يرسم هذه المعاناة، وهو بالأساس عاش معاناة خفيفة لطيفة مقارنة بما رواه عن الدكتور إياد.

إن من يقرأ الروايتين يدرك الفرق الجوهري بين النظام السوري، وبين أي نظام آخر بالعالم، وبالتالي يخفف من وطأة اللّوم على الشعب السوري، فكل مَن رأيتهم وسمعتهم من أبناء الجنسيات الأخرى يلومون الشعب السوري لأنه خرج على نظامه، لأنه بذلك خرج من الفردوس الأعلى.

من يشاء فليكررْ تجربتي بأن يبدأ أولا بقراءة رواية (يا صاحبي السجن) ثم يقرأ رواية (يسمعون حسيسها) وإن شاء الاستزادة فليقرأ رواية (القوقعة) لمصطفى خليفة، ثم بعد ذلك انظر في ملكوت السموات والأرض، هل ترى أصبر من الشعب السوري، وهل ثمة ثورةٌ هي أكثر ضرورة وأكثر إلحاحاً من ثورة الشعب السوري؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.