يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" [1] ويقول عليه الصلاة والسلام: "لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"[2]
بين إناث تتعبهن أنوثتهن وترهقهن بسبب مجتمع لا يرحم إلا قليلا، ورجال لا يعرفون كثيرا من معاني رجولتهم ولا يقدرونها بسبب مجتمع لم يترب على معاني الرجولة إلا قليلا، تعيش اليوم كثير من المجتمعات الإنسانية عموما وبعض المجتمعات العربية خصوصا حالة من الضياع والتشرذم والكمد والهم الشديدين في مجتمع تطحنه الأوضاع الاقتصادية والأزمات السياسية وانخفاض سقف الحريات حتى كسر الرؤوس يبحث الناس عن أي فرصة للتفوق وإثبات الذات والتغلب على أول خصم نفرغ فوق رأسه غضبا لا نستطيع توجيهه في مساره الصحيح.
تتداخل الحقوق والواجبات، وينسى بعض الناس ما عليهم، ويفكرون فقط في ما لهم، ويتحمل البعض فوق طاقته من الجهد فقط ليسد حاجات أساسية من مأكل ومشرب وملبس ثم قد لا يستطيع أن يوفي فقط بسداد هذه الحاجات، فضلا عن التفكير في التطوير والإضافة والتحسين وجعل نمط الحياة مبدعا خلاقا.
وسط هذا الجو الضاغط تأتي دعوات التحرر النسائية لتقول للنساء في كلام يؤيده الواقع وتُلجيء إليه الظروف والضغوط: أيتها الفتيات كن قويات مستقلات فالمجتمع لن يرحمكن وها أنتن ترين بكل وضوح وواقعية ما يحيط بكن من المصائب والرزايا التي تتعرض لها بنات جنسكن في كل مكان من البيت إلى الشارع إلى محلات العمل حيث المضايقات والاعتداءات والتحرشات لفظية وجسدية ثم لا يجدن النصير والعون والسند، وعليه فليس لكن إلا الاعتماد على أنفسكن ووظائفكن ومهاراتكن وقدراتكن التنافسية على اقتناص الفرص وتحقيق النجاحات في صراعات سوق العمل.
وعلى الناحية الأخرى يعاني الرجال من البطالة بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وفشل برامج التنمية الحكومية ومزاحمة النساء له في الوظائف المختلفة ورضاهن برواتب أقل مع تحقيقهن لإنتاجية أفضل خصوصا في مجال الخدمات مما يجعلهن الاختيار الأفضل لأصحاب الأعمال إذ يدفعون أقل ويحصلون على أداء عملي أفضل، وهنا يتنازل الرجل عن الكثير من رجولته طوعا ويقول للمرأة: طالما أنك تعملين فقد وجب عليك المشاركة في الإنفاق على البيت مثل ما أنفق، وتتحملين من الأعباء مثل ما أتحمل، ثم يضيف إلى ذلك مسؤوليتها عن رعاية الأبناء وتدبير شؤون المنزل، ثم بالطبع التزين والتجمل والاستعداد لقدوم رجل البيت الذي يجب أن يراها بأفضل شكل وإلا تكون مقصرة في أداء حقوقه مما يجعله يرفع في وجهها سيف الزواج الثاني كتهديد لها على تقصيرها في رعاية جنابه الكريم.
ويستمر الشد والتشدد والتطرف من هنا ومن هناك، وتسمع المرأة حديثا مكررا من صاحباتها -يختلط فيه الحق بالباطل والصحيح بالفاسد- عن حقها في تطوير ذاتها وتنمية كيانها والتخطيط لمستقبلها المهني والوظيفي وأهمية مراقبة زوجها لأن الرجال عيونهم زائغة بالفطرة والمآمنة للرجال كالمآمنة للماء في الغربال، مع وجوب عدم اعتمادها على زوجها في نفقاتها إذ سيجعلها هذا الاعتماد ضعيفة منكسرة يسهل له التلاعب بها والتحكم فيها بالإضافة إلى حقها في التنزه وزيارة صديقاتها وود أهلها وممارسة هواياتها والسعي نحو طموحاتها.
وتذكر أيها القارئ الكريم أني قلت عن هذا الحديث إنه يختلط فيه الحق بالباطل والصحيح بالفاسد فليس كله صواب ولا كله خطأ لكن المآل واحد إذ يؤدي إلى وجوب أن تكون عين المرأة في وسط رأسها خوفا من شريك حياتها الذي يتربص بها ويبحث عن أي فرصة ليدمرها ويقضي عليها ويهدد مستقبلها ويحبسها في قمقم لا ترى أحدا ولا يراها أحد إلى أن تذبل وتنطفئ وتموت لذلك يجب عليها أن تكون حذرة جدا ومنتبهة جدا لكن لا تستسلم لهذا المصير المخيف الذي يريد أن يوصلها إليه الرجل الذي تزوجته.
إن الأب والأم والابن والبنت والأخ والأخت والزوج والزوجة وغير هؤلاء كثير يحتاجون جميعا إلى إعادة تعريف وتوضيح للواجبات والحقوق والالتزامات والمسؤوليات والاحتياجات المطلوبة من كل منهم والمستحقة لكل منهم |
فاحذري الرجال يا حواء فإن طاعتهم والاستجابة لهم سيقتل زهرة شبابك ويضيعها وسيأخذك الرجل لحما ويرميك عظما فاتعظي بمصير القتيلات من قبلك وكوني قوية لعلك تنجين، وتذكري أن الرجال قتلة متسلسلون ومجرمون ساديون وخائنون متلاعبون ونصابون محترفون جميعهم إلا قليلا وزوجك بالتأكيد ليس من هؤلاء القليل فانتبهي إنا لك من الناصحات وعليك من المشفقات!
وعلى الناحية الأخرى حديث متطرف -يختلط فيه هو الآخر الحق بالباطل والصحيح بالفاسد- يسمعه الرجل من أصحابه عن وجوب ذبح القطة لامرأتك حتى تخاف وترتعب من مجرد ذكر اسمك فضلا عن وجودك، وأن النساء يحببن من "يشكمهن" ويعني هذا اللفظ بالعامية المصرية: يقسوا عليهن ويزجرهن على سبيل التأديب والحبس وتقويم السلوك المعوج فسلوك النساء منحرف بطبيعتهن كما تعلمون فإن لم ينحرفن فهن إلى الانحراف والفساد أقرب لذلك لابد من أن تجد المرأة رجلا "يلمها" ويكسر لها ضلعا لينبت لها أربعة وعشرون، وأن النساء خلقن من ضلع أعوج لذلك وأنهن ناقصات عقل ودين وأنهن أصل الشرور والمصائب، وقد أخرجت امرأة آدم من الجنة حين أطاعها.
ثم ينسبون حديثا لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وهو حديث موضوع مكذوب يقول عن النساء: "لا تشاوروهن فإن شاورتموهن فخالفوهن" لكن أغلب الرجال ليسوا متخصصين في علم الحديث يكفي أن نكرر هذه العبارة فقط "شاوروهن وخالفوهن" باعتبارها أحد المبادئ فوق الدستورية التي يجب أن تقوم عليها علاقة الرجل بالمرأة.
وتذكر أيها القارئ الحبيب أن هذا الكلام كسابقه قد اختلط فيه الحق بالباطل والصحيح بالفاسد ولا يسمح السياق ولا المساحة المتاحة في هذه العجالة أن نفند الكلام لبيان صحيحه من فاسده وحقه من باطله لكن يكفي أن تعرف أن كثيرا من مجالس الرجال لنصح أصدقائهم من المتزوجين يقال فيها مثل هذا وأكثر، وأن كثيرا من مجالس النساء لنصح صديقاتهن من المتزوجات يجري فيها مثل هذا الكلام وأكثر مما يندى له جبين الشهم صاحب المروءة.
إن مجتمعنا يحتاج إلى من يصرخ فيه منبها، ثم يهمس له معلما، ثم يسير في أرجاءه متعلما باحثا سائلا وهذه التنبيه والتعليم والبحث والتعلم والتساؤل يهدف إلى أمر واحد هو: إعادة تعريف الأطراف الاجتماعية المختلفة بما على كل منهم من واجبات ولكل منهم من حقوق. إن الأب والأم والابن والبنت والأخ والأخت والزوج والزوجة والصديق وزميل العمل والرئيس والمرؤوس والطالب والمدرس وغير هؤلاء كثير يحتاجون جميعا إلى إعادة تعريف وتوضيح للواجبات والحقوق والالتزامات والمسؤوليات والاحتياجات المطلوبة من كل منهم والمستحقة لكل منهم.
وهذه التعريف بالواجبات والحقوق يأتي معه تعريف بمعاني الفضل والتراحم وأن الدنيا لا تستقر أحوالها بالعدل فقط بل بالفضل أيضا فقد أمرنا ربنا سبحانه ألا ننسى الفضل بيننا، ومن الجميل أن تأتي هذه الآية (وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)[3] في سياق الحديث عن أحكام الزواج والطلاق وما ينشأ في هذا الأخير من مطالبة بالحقوق ودفع للالتزامات فيذكرنا ربنا بعدم نسيان الفضل، وليس الفضل مبررا لتضييع الحقوق كما أن المطالبة بالحقوق لا تعني تحولنا إلى العداوة والبغضاء والمعاملة بالقسطاس وميزان الذهب.
إن كثيرا من صراعات البيوت ومشاكل الأزواج والزوجات وغيرها من العلاقات الاجتماعية المختلفة مرجعها إلى عدم وضوح الواجبات والحقوق، مع عدم رسوخ معنى الفضل في النفوس، فيظن البعض أن ما تفعله المرأة تفضلا منها يكون واجبا عليها أو ما يفعله الرجل تفضلا منه يكون واجبا عليه، أو يظن البعض أن ما يقوم به من واجبات والتزامات إنما هي على سبيل التكرم والتعطف والإحسان وعلى الآخرين أن يقبلوا أيديهم ظهرا وبطنا شكرا لله على نعمة وجود أمثالي من المحسنين!
إننا نحتاج إلى التربية على الفضل وتعليم الواجب، كل مشكلاتنا الاجتماعية هنا، وسيستمر الصراع ويختنق الجميع في دخان التراشق اللفظي الكثيف طالما لم نهدأ ونفكر ويعلم كل منا ماذا عليه فيؤديه بإحسان وماذا له فيطلبه بإحسان، فإن تعلمنا وتربينا كان الأمر بعد ذلك هينا والخطب يسيرا والله المستعان على ما تصفون.
[1] – صحيح: رواه الإمام الترمذي والإمام بن ماجة في السنن.
[2] – صحيح: رواه الإمام ابن ماجة في السنن والإمام أحمد في المسند.
[3] – سورة البقرة: آية 237.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.